بما وجب عليه فَرَّقها، أو نَسّقَها، ثم أَيَّد ذلك بفعل ابن عمر، وبذلك قال ابن المسيِّب، وعطاء، وجماعة، وقال ربيعة، ومالك: مَن تَعَمَّد ذلك، فعليه الإعادة، ومَن نَسِي فلا، وعن مالك: إن قَرُب التفريق بَنَى، وإن طال أعاد، وقال قتادة، والأوزاعيّ: لا يعيد إلا إن جَفّ، وأجازه النخعيّ، مطلقًا في الغسل دون الوضوء، ذَكَر جميع ذلك ابن المنذر، وقال: ليس مع مَن جَعَل الجفاف حدًّا لذلك حجة، وقال الطحاويّ: الجفاف ليس بحدث، فينقضَ، كما لو جَفَّ جميع أعضاء الوضوء لم تبطل الطهارة. انتهى.
وقال الإمام أبو بكر بن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ -: اختَلَف أهل العلم في تفريق الوضوء والغسل، فقالت طائفة: لا يجوز ذلك حتى يَتْبَع بعضه بعضًا، روينا عن عمر بن الخطاب أنه رأى رجلًا يصلي، وقد ترك مثل موضع الظفر، فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة، وكان قتادة، والأوزاعيّ يقولان: إذا ترك غسل عضو من الأعضاء حتى جَفّ الوضوء أعاد الوضوء، وكان ربيعة يقول: تفريق الغسل مما يكره، وإنه لا يكون غسلًا حتى يتبع بعضه بعضًا.
وقال مالك: من تعمَّد ذلك، فإني أرى عليه أن يعيد الغسل، وقال الليث بن سعد كذلك، مع أن قول مالك مختلف في هذا الباب.
وقد حَكَى ابن القاسم عنه أنه قال: إن قام لأخذ الماء، وكان قريبًا بنى على وضوئه، وإن تطاول ذلك وتباعد، فأرى أن يعيد الوضوء من أوله.
وقال أحمد: إذا جَفّ وضوؤه يعيد، وذكر حديث عمر.
وأجازت طائفة تفريق الوضوء والغسل، ثَبَت أن ابن عمر توضأ بالسوق، فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه، ثم دُعِي لجنازة، فدخل المسجد ليصلي عليها، فمسح على خفيه، ثم صلى عليها.
وكان عطاء لا يرى بتفريق الوضوء بأسًا، وأباح ذلك النخعيّ في الغسل، وكان الحسن، والنخعيّ لا يريان بأسًا للجنب أن يغسل رأسه، ثم يؤخّر غسل جسده بعد ذلك، ورُوي معنى ذلك عن سعيد بن المسيِّب، وطاوس، وهذا على مذهب الثوريّ، وممن رأى ذلك جائزًا الشافعيّ، وأصحاب الرأي.