وقد جاء في ترك التنشيف هذا الحديث، والحديث الآخر في الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - اغتَسَل، وخرج ورأسه يقطر ماء.
وأما فعل التنشيف فقد رواه جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - من أوجه، لكن أسانيدها ضعيفة، قال الترمذيّ: لا يصح في هذا الباب عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - شيء.
وقد احتَجّ بعض العلماء على إباحة التنشيف بقول ميمونة - رضي الله عنها - في هذا الحديث: "وجَعَل يقول بالماء هكذا" يعني ينفضه، قال: فإذا كان النفض مباحًا، كان التنشيف مثله، أو أولى لاشتراكهما في إزالة الماء، والله أعلم.
قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن مما سبق أن أرجح الأقوال جواز استعمال المنديل؛ لقوّة حجته؛ فقد دلّ حديث الباب على أنه - صلى الله عليه وسلم - نفض الماء، وكذلك حديث قيس بن سعد المذكور.
ومن أوضح الأدلّة أيضًا ما أخرجه ابن ماجه من حديث سلمان - رضي الله عنه - بإسناد حسن: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضّأ، فقلب جُبّة صوف كانت عليه، فمسح بها وجهه" (?).
وأما أحاديث النهي، فلا يثبُت منها شيء، كما سبق في قول الترمذيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (?)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في حكم تفريق غسل الأعضاء في الوضوء والغسل:
(اعلم): أن البخاريّ - رَحِمَهُ اللهُ - احتجّ في "صحيحه" بهذا الحديث على جواز تفريق الغسل والوضوء، فقال: "باب تفريق الغسل، والوضوء"، ثم قال: ويُذكَرُ عن ابن عمر أنه غَسَلَ قدميه بعدما جفّ وضوءه. انتهى.
قال في "الفتح" ما حاصله: أراد به جواز ذلك، وهو قول الشافعي في الجديد، واحتَجَّ له بأن الله تعالى أوجب غسل أعضائه، فمن غسلها فقد أَتَى