(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في التنشيف بعد الوضوء والغسل:
قال أبو بكر بن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ -: اختلفوا في التمسح بالمنديل بعد الوضوء والاغتسال، فممن رَوَينا عنه أخذ المنديل بعد الوضوء: عثمان بن عفان، والحسين بن عليّ، وأنس بن مالك، وبشير بن أبي مسعود، ورَخَّص فيه الحسن، ومحمد بن سيرين، وعلقمة، والأسود، ومسروق، والضحاك بن مُزاحِم، وكان مالك بن أنس، وسفيان الثوريّ، وأحمد، وأصحاب الرأي لا يرون به بأسًا.
وفيه قول ثان، رَوَينا عن جابر بن عبد الله، أنه قال: إذا توضأت فلا تَمَنْدَل، وكَرِهَ ذلك عبد الرحمن بن أبي ليلى، وإبراهيم النخعيّ، ومجاهد، وابن المسيِّب، وأبو العالية.
واختُلِف فيه عن سعيد بن جبير، ورَوَينا عن ابن عباس أنه كَرِهَ أن يُمسَح بالمنديل من الوضوء، ولم يكرهه إذا اغتَسَل من الجنابة، وكان سفيان يُرَخِّص فيهما جميعًا، الوضوءِ والاغتسالِ.
قال ابن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ -: أعلى شيء رُوِي في هذا الباب خبران: خبر يدُلّ على إباحة أخذ الثوب يُنَشَّف به، والخبر الآخر يدُلّ على ترك ذلك، ثم أخرج بسنده عن قيس بن سعد - رضي الله عنه -، قال: أتانا النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فوضعنا له غُسلًا، فاغتسل، ثم أتيناه بِمِلْحَفةٍ وَرْسِيّةٍ، فالتَحَفَ بها، فكأنّي أنظر إلى أثر الْوَرْس على عُكَنِهِ (?).
ثم أخرج الخبر الثاني، وهو حديث ميمونة - رضي الله عنها - المذكور هنا، ثم قال: وهذا الخبر لا يوجب حَظْرَ ذلك، ولا المنع منه؛ لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يَنْهَ عنه، مع أنه قد كان يَدَعُ الشيء المباح؛ لئلا يَشُقّ على أمته، من ذلك قوله لبني عبد المطلب: "لولا أن تُغْلَبُوا على سقايتكم لنزعت معكم"، رواه مسلم،