(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم تأخير غسل الرجلين عن غسل الجسد:
(اعلم): أنهم اختلفوا في هذه المسألة، فذهب بعضهم إلى استحباب التأخير، وذهبت الحنفيّة إلى أن الأفضل إكمال الوضوء أوّلًا، إن كان يغتسل في محل لا يجتمع فيه الماء، وتأخير غسل القدمين إن كان يغتسل في نحو طست، وعن مالك إن كان المكان غير نظيف، فالمستحبّ تأخير غسلهما، وإلا فالتقديم، وعند الشافعيّ في الأفضل قولان: أصحّهما، وأشهرهما أنه يكمل وضوءه لأن أكثر الروايات عن عائشة وميمونة كذلك، قاله النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -.
وقال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: وليس في شيء من الروايات عنهما التصريح بذلك، بل هي إما محتملة، كرواية: "توضّأ وضوءه للصلاة"، أو ظاهرة في تأخيرهما، كرواية أبي معاوية، ويوافقها أكثر الروايات عن ميمونة، أو صريحة في تأخيرهما، كحديث الباب - يعني حديث البخاريّ - وراويه مقدّمٌ في الحفظ والفقه على جميع من رواه عن الأعمش - يعني سفيان الثوريّ -.
قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بهذا أن قول النوويّ: لأن أكثر الروايات كذلك محلّ نظر، فتأمله، والله تعالى أعلم.
قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: وقول من قال: إنما فعل ذلك لبيان الجواز معقّبٌ، فإن في رواية أحمد عن أبي معاوية، عن الأعمش ما يدلّ على المواظبة، ولفظه: "كان إذا اغتسل من الجنابة يبدأ، فيغسل يديه"، فذكر الحديث، وفي آخره: "ثم يتنحّى، فيغسل رجليه" (?).
قال الجامع عفا الله عنه: قد تحصّل مما سبق أن أرجح الأقوال قول من قال بتأخير غسل الرجلين مطلقًا؛ لوضوح أدلّته، وقد قيل في حكمة ذلك أن يحصُل الافتتاح والاختتام بأعضاء الوضوء. انتهى (?)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب