باشر إلخ" بأنه قد صرّح في الحديث بأنه دعا بجريدة، فكسرها، فوضع على كلّ قبر منهما كِسرةً، فهذا صريحٌ في أنه - صلى الله عليه وسلم - وضعه بيديه الكريمتين، ودعوى احتمال الأمر لغيره به بعيدة، وهي كدعوى احتمال مجيء غلام زيد في قولك: جاء زيد، ومثل هذا الاحتمال لا يُعتدّ به. انتهى كلام العينيّ رحمه الله (?).
قال الجامع عفا الله عنه: الذي قاله الخطابيّ، ومن تبعه من استنكار وضع الجريدة ونحوها على القبر هو الذي يترجح عندي؛ لأنه أمر يختصّ به النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من حيث كونه مغيّبًا، لا يمكن الاطّلاع عليه إلا بالوحي، ومن حيث بركة يده - صلى الله عليه وسلم - كما علّله الخطابيّ، والقاضي عياض.
وأما قول الحافظ: لا يلزم من كوننا إلخ ففيه نظر لا يخفى؛ إذ الدعاء أمرنا به اطّلعنا على التعذيب أم لا، فليس معلّلًا بالتعذيب بخلاف وضع الجريدة، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - دعا لكلّ ميت، وأمر به بخلاف وضعها، فإنه ما فعله إلا لأشخاص مُعَيَّنِينَ، معلِّلًا ذلك بما ذكر، ولأن الصحابة ومن بعدهم أجمعوا على الاقتداء به فيه بخلَاف الوضع، فلم يُنقل إلا عن بُريدة - رضي الله عنه -، فهو قياس مع الفارق.
والحاصل أن خصوصيّة وضع الجريد أوضح من كونه محلّ أسوة، فتأمل بالإنصاف.
قال صاحب "المرعاة" رحمه اللهُ - بعد ذكر نحو ما تقدّم -: والظاهر عندي أنه مخصوص بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - ليس بأعمّ، وأما ما يفعله القبريّون من وضع الرياحين على القبور، وغرس الأشجار عليها، وسترها بالثياب، وإجمارها، وتبخيرها بالعود، واتّخاذ السرج عليها، فلا شكّ في كونه بدعة وضلالةً، ومن زعم أن هذا الحديث أصل لهذه الأمور المحدثة، فقد جهل، وافترى على الرسول - صلى الله عليه وسلم -. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله صاحب المرعاة رحمه الله تحقيق نفيسٌ جدًّا، ومثل ذلك من استدلّ بهذا الحديث على مشروعيّة قراءة القرآن في القبر، فقد ابتدع في الدين، وأتى بما لم يشرعه الله تعالى، فإن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مع