كثرة من يموت في عهده، لم يأمر أحدًا أن يقرأ القرآن للميت، ولا فعله الخلفاء الراشدون بعده، ولا القرون المفضّلة.
وأما ما أورده العينيّ محتجًّا على مشروعيّة ذلك من الأحاديث (?) فمما يُتعجّب منه، فإنها كلها أحاديث واهية، لا يثبت منها شيء، فلا تغترّ بها، وكن من الْيَقِظِين الْحَذِرين، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السابعة): في ذكر ما جاء من الاختلاف في اسم المقبورَين:
(اعلم): أنه لم يُعرف اسم المقبورين، ولا أحدهما، والظاهر أن ذلك كان عمدًا من الرواة قصدًا للستر، وأنه لا ينبغي الفحص عن مثل هذا.
قال الحافظ: وما حكاه القرطبيّ في "التذكرة" وضعّفه عن بعضهم أن أحدهما سعد بن معاذ، فهو قول باطلٌ لا ينبغي ذكره إلا مقرونًا ببيانه، ومما يدلّ على بطلانه الحكاية المذكورة أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حضر دفن سعد بن معاذ، كما ثبت في الحديث الصحيح، وأما قصّة المقبورين ففي حديث أبي أمامة عند أحمد أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: "من دفنتم اليوم ها هنا؟ "، فدلّ على أنه لم يحضرهما.
قال: وإنما ذكرت هذا ذَبًّا عن هذا السيد الذي سماه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - سيّدًا، وقال لأصحابه: "قوموا إلى سيدكم"، وقال: "إن حكمه قد وافق حكم الله"، وقال: "إن عرش الرحمن اهتَزَّ لموته" إلى غير ذلك من مناقبه الجليلة؛ خشيةَ أن يَغْتَرّ ناقص العلم بما ذكره القرطبيّ، فيعتقد صحة ذلك، وهو باطل.
وقد اختُلِفَ في المقبورَين، فقيل: كانا كافرين، وبه جزم أبو موسى المدينيّ، واحتجّ بما رواه من حديث جابر، بسند فيه ابن لَهِيعة: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مَرّ على قبرين من بني النجار، هَلَكا في الجاهلية، فسمعهما يعذبان في البول والنميمة"، قال أبو موسى: هذا وإن كان ليس بقويّ، لكن معناه صحيح، لأنهما لو كانا مسلمين لَمَا كان لشفاعته إلى أن تيبس الجريدتان معنًى، ولكنه لَمّا رآهما يعذبان لم يستجز للطفه وعطفه حرمانهما من إحسانه، فشفع لهما إلى المدة المذكورة.