وَهَمْزَ "إِنَّ" افْتَحْ لِسَدّ مَصْدَرِ ... مَسَدَّهَا وَفِي سِوَى ذَاكَ اكْسِرِ
وهي هنا في تأويل المصدر مفعول "وددت"؛ أي وددت عدم تشديد صاحبكم، والمراد بالصاحب أبو موسى الأشعريّ - رضي الله عنه -، والخطاب لأبي وائل ومن معه ممن حضر مجلس حُذيفة - رضي الله عنه - حين تحديثه بهذا الحديث.
(لَا) نافية، ولذا رفع الفعل بعدها (يُشَدِّدُ هَذَا التَّشْدِيدَ) أي أدّاه إلى أن يبول في قارورة.
قال النوويّ رحمه الله: مقصود حذيفة - رضي الله عنه - بهذا أن هذا التشديد خلافُ السنة، فإن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بال قائمًا، ولا شكّ في كون القائم مُعَرَّضًا للرّشيش، ولم يَلْتَفت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا الاحتمال، ولم يتكلَّف البول في قارورة، كما فعل أبو موسى - رضي الله عنه -، والله تعالى أعلم. انتهى (?).
(فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي) بضمّ التاء من فوقُ، ومعناه: رأيتُ نفسي، وبهذا التقدير يندفع سؤال من يقول: كيف جاز أن يكون الفاعل والمفعول عبارةً عن شيء واحد؛ وهذا التركيب جائز في أفعال القلوب؛ لأنه من خصائصها، ولا يجوز في غيرها (?)، إلا ما أُلحق بها، كفقد، وعدم، وقد تقدّم البحث في هذا مستوفًى غير مرّة.
وقوله: (أنَا وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) وقع في النسخ برفع "رسولُ" مضبوطًا بالقلم، وعلى هذا فيكون معطوفًا على الفاعل، وأتى بـ "أنا" فاصلًا؛ لأن العطف على الضمير المتّصل المرفوع بدون فاصل ضعيف، كما قال في "الخلاصة":
وَإِنْ عَلَى ضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَّصِلْ ... عَطَفْتَ فَافْصِلْ بِالضَّمِيرِ الْمُتَّصِلْ
أَوْ فَاصِلٍ ما وَبِلَا فَصْلٍ يَرِدْ ... فِي النَّظْمِ فَاشِيًا وَضُعْفَهُ اعْتَقِدْ
ووقع عند البخاريّ بلفظ: "رأيتني أنا والنبيّ - صلى الله عليه وسلم -"، فقال العينيّ رحمه الله: قوله: "أنا" للتأكيد؛ لصحّة عطف لفظ "النبيّ" على الضمير المنصوب على المفعوليّة، والتقدير: رأيتُ نفسي، ورأيت النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقال الكرمانيّ رحمه الله: بنصب "النبيّ"؛ لأنه عطف على المفعول، لا على الفاعل، وعليه الرواية، قال