قال الإمام أبو بكر بن المنذر رحمه الله: اخَتَلف أهل العلم في البول قائمًا، فثبت عن جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم بالوا قيامًا، وممن ثبتٌ ذلك عنه: عمر بن الخطاب، وروي ذلك عن عليّ، وثبت ذلك عن زيد بن ثابت، وابن عمر، وسهل بن سعد، ورُوي ذلك عن أنس، وأبي هريرة، وفعل ذلك محمد بن سيرين، وعروة بن الزبير.
وقد رَوَينا عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: من الجفاء أن تبول وأنت قائم، ورُوي ذلك عن الشعبيّ، وقال ابن عيينة: كان سعد بن إبراهيم لا يجيز شهادة من بال قائمًا، ورُوي عن أبي موسى الأشعريّ أنه رأى رجلًا يبول قائمًا، فقال: ويحك، أفلا قاعدًا، بنو إسرائيل كانوا في شأن البول أشدّ منكم، إنما كان مع أحدهم شَفْرته، أو مِقراضه لا يصيب منه شيئًا إلا قطعه.
وفيه قول ثالث: وهو أن البول إن كان في موضع رَمْل، وما أشبه ذلك لا يتطاير منه شيء، فلا بأس بذلك، وإن كان في موضع صلب، يتطاير عليه منه، فأكره ذلك، ولْيَبُلْ جالسًا، هكذا قال مالك بن أنس.
قال ابن المنذر رحمه الله: في هذا الباب ثلاثة أخبار، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، خبران ثابتان، وخبر معلولٌ، فأما الخبران الثابتان، ففي أحدهما أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بال قائمًا، ثم أخرج بسنده حديث حذيفة المذكور هنا.
وأما الخبر الثاني، ففي البول في حال الجلوس، ثم أخرج بسنده عن عبد الرحمن بن حَسَنَةَ - رضي الله عنه - قال: كنت أنا وعمرو بن العاص جالسين، فخرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي يده دَرَقَةٌ، فبال وهو جالسٌ (?).
قال: وأما الخبر المعلول، فحدّثنا إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عبد الكريم، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال عمر: رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبول قائمًا، فقال: "يا عمر لا تَبُلْ قائمًا"، قال: فما بُلْتُ قائمًا بعدُ.
وهذا الخبر لا يثبت؛ لأن فيه عبد الكريم أبا أمية، متّفقٌ على ضعفه.
قال ابن المنذر رحمه الله: البول جالسًا أحبّ إليّ؛ للثابت عن نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم - أنه بال جالسًا، ولأن أهل العلم لا يختلفون فيه، ولا أنهى عن البول قائمًا؛