(المسألة الرابعة): في أقوال أهل العلم في سبب بول النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قائمًا: قد ذَكَر العلماء رحمهم الله تعالى في ذلك أوجهًا، حكاها الخطابيّ، والبيهقيّ، وغيرهما من الأئمة:
[أحدهما]: وهو مرويّ عن الشافعيّ رحمه الله أن العرب كانت تستشفي لوجع الصلب بالبول قائمًا، قال: فنَرَى أنه كان به - صلى الله عليه وسلم - وجع الصلب إذ ذاك.
قال الجامع عفا الله عنه: ما أبعد هذا الوجه، فأين الدليل عليه؟ .
[والثاني]: أن سببه ما رُوي في رواية ضعيفة، رواها البيهقيّ، وغيره: أنه - صلى الله عليه وسلم - بال قائمًا؛ لعلّة بِمَأْبَضه - والْمَأْبَض بهمزة ساكنة بعد الميم، ثم باء موحدة - وهو باطن الرُّكْبة.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا أيضًا من جنس ما قبله؛ لضعف مستنده.
[والثالث]: أنه لم يَجِد مكانًا للقعود، فاضطر إلى القيام؛ لكون الطرف الذي من السُّباطة كان عاليًا مرتفعًا.
[والرابع]: أنه إنما بال قائمًا؛ لكونها حالة يؤمن فيها خروج الحدث من السبيل الآخر في الغالب، بخلاف حالة القعود، ولذلك قال عمر - رضي الله عنه -: البول قائمًا أحصن للدبر.
[والخامس]: أنه - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك؛ لبيان الجواز في هذه المرة، وكانت عادته المستمرة يبول قاعدًا، ويدلّ عليه حديث عائشة - رضي الله عنهما - قالت: "مَن حدّثكم أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يبول قائمًا فلا تصدِّقوه، ما كان يبول إلا قاعدًا"، رواه الترمذيّ، والنسائيّ بإسناد جيّد (?).
قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى ضعف هذه الأوجه، إلا الخامس، فالذي يترجّح عندي أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما فَعَل ذلك لبيان الجواز، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في حكم البول قائمًا: