لثبوت حديث حذيفة، وقد ثبت عن عمر أنه قال: ما بلت قائمًا منذ أسلمت، فقد يجوز أن يكون عمر إلى الوقت الذي قال هذا القول لم يكن بال قائمًا، ثم بال بعد ذلك قائمًا، فرآه زيد بن وهب، فلا يكون حديثاه متضادين. انتهى كلام ابن المنذر رحمه الله (?)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله ابن المنذر رحمه الله هو الصواب؛ لوضوح حجّته.
والحاصل أن البول قائمًا جائز بلا كراهة؛ لحديث حُذيفة - رضي الله عنه - المتّفق عليه، ولكن الأولى أن يبول قاعدًا؛ لأنه أكثر أحوال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، كما يدلّ عليه حديث عائشة - رضي الله عنهما - المتقدّم.
[فإن قلت]: إنها قالت: "ما كان يبول إلا قاعدًا"، ففيه نفي بوله - صلى الله عليه وسلم - قائمًا، فكيف الجمع بينه، وبين حديث حذيفة - رضي الله عنه - هذا؟ .
[أجيب]: بأن نفيها مُستنِدٌ إلى علمها، لا إلى الواقع، فحيث لم تره - صلى الله عليه وسلم - يبول قائمًا في البيت نفت ذلك، وحيث رآه حذيفة - رضي الله عنه - قائمًا خارج البيت أثبته، والمثبت مقدّم على النافي، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ؛ لأنه عنده زيادة علم، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى المذكور أولَ الكتاب قال:
[631] ( ... ) - (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو مُوسَى يُشَدِّدُ فِي الْبَوْل، وَيَبُولُ فِي قَارُورَةٍ، وَيقُولُ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ إِذَا أَصَابَ جلْدَ أَحَدِهِمْ بَوْلٌ قَرَضَهُ بِالْمَقَارِيض، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: لَوَدِدْتُ أَنَّ صَاحِبَكُمْ لَا يُشَدِّدُ هَذَا التَّشْدِيدَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَنَا وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَتَمَاشَى، فَأَتَى سُبَاطَةً خَلْفَ حَائِطٍ، فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ فَبَالَ، فَانْتَبَذْتُ مِنْهُ، فَأَشَارَ إِلَيَ، فَجِئْتُ، فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ (?) حَتَّى فَرَغَ).