وكذا زاد مسلم وغيره فيه ذكر المسح على الخفين، وهو ثابت أيضًا عند الإسماعيلي وغيره، من طُرُقْ عن شعبة، عن الأعمش، وزاد عيسى بن يونس فيه، عن الأعمش، أن ذلك كان بالمدينة، أخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" بإسناد صحيح، وزعم في الاستذكار أن عيسى تفرد به، وليس كذلك، فقد رواه البيهقيّ من طريق محمد بن طلحة بن مُصَرِّف، عن الأعمش كذلك، وله شاهد أخرجه الطبرانيّ من حديث عِصْمَة بن مالك قال: "خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض سِكَك المدينة، فانتهى إلى سُباطة قوم، فقال: يا حذيفةُ استرني ... " فذكر الحديث.
واستدلّ به على جواز المسح في الحضر، وهو ظاهرٌ، ولعل البخاريّ اختصره؛ لتفرد الأعمش به، فقد رَوَى ابن ماجه من طريق شعبة أن عاصمًا رواه له عن أبي وائل، عن المغيرة: "أن رسول الله لمجم أتى سباطة قوم، فبال قائمًا"، قال عاصم: وهذا الأعمش يروله عن أبي وائل، عن حذيفة، وما حفظه - يعني أن روايته هي الصواب - قال شعبة: فسألت عنه منصورًا، فحدثنيه عن أبي وائل، عن حذيفة - يعني كما قال الأعمش - لكن لم يذكر فيه المسح، فقد وافق منصورٌ الأعمشَ على قوله: "عن حذيفة" دون الزيادة، ولم يَلتَفِت مسلم إلى هذه العلة، بل ذكرها في حديث الأعمش؛ لأنها زيادة من حافظ، وقال الترمذيّ: حديث أبي وائل، عن حذيفة أصح - يعني من حديثه عن المغيرة - وهو كما قال، كان جنح ابن خزيمة إلى تصحيح الروايتين؛ لكون حماد بن أبي سليمان وافق عاصمًا على قوله: "عن المغيرة"، فجاز أن يكون أبو وائل سمعه منهما، فيصح القولان معًا، لكن من حيث الترجيح روايةُ الأعمش ومنصور؛ لاتفاقهما أصحّ من رواية عاصم وحماد؛ لكونهما في حفظهما مقال. انتهى ما في "الفتح" (?)، وهو بحثٌ نفيسٌ جدّا، والله تعالى أعلم.
(فمَسَحَ) وفي نسخة: "ومسح" بالواو (عَلَى خُفَّيْهِ) أي بعد غسل سائر أعضاء الوضوء، ومسح الرأس، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.