نقول: إنما بال فوق السباطة، لا في أصل الجدار، وهو صريح رواية أبي عوانة في "صحيحه"، وقيل: يحتمل أن يكون عَلِمَ إذنهم في ذلك بالتصريح، أو غيره، أو لكونه مما يتسامح الناس به، أو لعلمه بإيثارهم إياه بذلك، أو لكونه يجوز له التصرف في مال أمته دون غيره، لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأموالهم، وهذا وإن كان صحيح المعنى، لكن لم يُعْهَد ذلك من سيرته ومكارم أخلاقه - صلى الله عليه وسلم -. انتهى (?).

وقال النوويّ رحمه الله في "شرحه": وأما بوله - صلى الله عليه وسلم - في سُباطة قوم، فيحتمل أوجهًا:

[أظهرها]: أنهم كانوا يؤثرون ذلك، ولا يكرهونه، بل يفرحون به، ومن كان هذا حاله جاز البول في أرضه، والأكل من طعامه، ونظائر هذا في السنة أكثر من أن تحصى، وقد أشرنا إلى هذه القاعدة في "كتاب الإيمان" في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "احتَفَزْتُ كما يَحْتَفِز الثعلب ... " الحديث.

[والوجه الثاني]: أنها لم تكن مختصّة بهم، بل كانت بفناء دُورهم للناس كلِّهم، فأضيفت إليهم؛ لقربها منهم.

[والثالث]: أن يكونوا أذنوا لمن أراد قضاء الحاجة، إما بصريح الإذن، وإما بما في معناه. انتهى (?).

وقال العلامة العينيّ رحمه الله: هذا كلّه على تقدير أن تكون السباطة ملكًا لأحد، أو لجماعة معيّنين، وقال الكرمانيّ رحمه الله: وأظهر الوجوه أنهم كانوا يؤثرون ذلك، ولا يكرهونه، بل يفرحون به، ومن كان هذا حاله جاز البول في أرضه، والأكل من طعامه، قال العينيّ: هذا أيضًا على تقدير أن تكون السباطة ملكًا لقوم. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أنه لا وجه لمثل هذا الاستشكال؛ لأن العادة جارية بين الناس في أن الكُناسة لا يُمنع أحدٌ أن يقضي فيها حاجته، وهذا عرف مستمرّ على مرّ الدهور والأعصار، فلا داعي للتضايق بمثل هذه التأويلات المتكلّفة، فافهم، والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015