وقالت طائفة: إذا كان في الخفّ خَرْق بدا شيء من مواضع الوضوء لم يمسح عليه، هذا قول الشافعيّ، وأحمد، ومعمر صاحب عبد الرزاق.
وفيه قول ثالث: وهو إن كان الخرق قد بدت أصبعه، أو كلها، أو طائفة من رجله توضأ، ومسح على خفيه، وغسل ما بدا من رجله، هذا قول الأوزاعيّ.
وفيه قول رابع: وهو أن الخرق إذا كان يسيرًا، فأرجو أن يجزىء عنه أن يمسح عليهما، وإن كان خرقه كثيرًا فأحب إليّ أن لا يمسح عليهما، هذا قول مالك.
وفيه قول خامس: وهو إن كان في خفيه خرق تخرج منه أصبع أو أصبعان أجزأه أن يمسح عليهما، فإن كان ثلاث أصابع لم يجزه، هذا قول أصحاب الرأي.
وقد رُوي عن الحسن أنه قال: إذا خرج الأكثر من أصابعه لم يُجزه المسح.
قال ابن المنذر رحمه الله: وبالقول الأول أقول؛ لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمّا مَسَحَ على الخفين، وأَذِن بالمسح عليهما إذنًا عامًّا مطلقًا، دخل فيه جميع الْخِفَاف، فكلُّ ما وقع عليه اسم الخُفّ فالمسح عليه جائز، على ظاهر الأخبار، ولا يجوز أن يُسْتَثنى من السنن إلا بسنّة مثلها، أو إجماع، وهذا يلزم أصحابنا القائلين بعموم الأخبار، والمنكرين على من عَدَل عنها إلا بحجة. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: لقد أجاد ابن المنذر رحمه الله في هذا التحقيق، وهذا هو واجب كلّ مسلم أنه إذا ثبتت سنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصحّت وجب العمل بها على إطلاقها، ولا يجوز أن يتأوّلها متأوِّلٌ، أويجعلَ لها شرطًا، أو قيدًا، أو مَحْمِلًا من المحامل إلا بسنّة صحيحة مثلها، أو بإجماع أهل العلم على ذلك.
والحاصل أن الأرجح هنا أنه يجوز المسح على الخفاف المتخرّقة؛ لإطلاق النصوص، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.