وأما دعوى الخصوص، فلو سمعها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لغضب على مدّعيها، وأنكر ذلك، كما قد غَضِبَ على من ادّعى تخصيصه بجواز القُبْلة، فإنه غَضِب عليه، وأنكر ذلك، وقال: "إني لأخشاكم، وأعلمكم بحدوده"، وكيف يجوز توهّم هذا؟ وقد تبيّن أن ذلك إنما شُرعَ إكرامًا للقِبلة، وهو أعلم بحرمتها، وأحقّ بتعظيمها، وكيف يَستَهين بحرمة ما حرّم الله؟ هذا ما لا يصدُر توهّمه إلَّا من جاهل بما يقول، أو غافل عما كان يحترمه الرسول - صلى الله عليه وسلم -. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (?)، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
3 - (ومنها): أنه ينبغي الوقوف على هدي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حتى فيما يُطلَب إخفاؤه؛ ليُقتدى به، ويُهتدى بضوئه.
4 - (ومنها): ما كان عليه ابن عمر - رضي الله عنهما - من شدّة الحرص على تتبّع آثار النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو معروف بذلك.
5 - (ومنها): جواز الإخبار عن مثل هذا الفعل عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان عادة مما يُخفى؛ لأجل الاقتداء، والعمل به.
6 - (ومنها): بيان أن أفعال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كلّها للتشريع، إلَّا ما خُصّ به، وهو معنى قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} الآية [الأحزاب: 21].
7 - (ومنها): استعمال الكناية بالحاجة عن البول والغائط.
8 - (ومنها): أن في قوله: "يقول ناس .. إلخ" دليلًا على أن الصحابة - رضي الله عنهم - يختلفون في معاني السنن، وكان كلّ واحد منهم يستعمل ما سمع على عمومه، فمن هنا وقع بينهم الاختلاف.
قال الخطابيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قد يتوهّم السامع من قول ابن عمر - رضي الله عنهما -: "يقول ناس .. إلخ" أنه يريد إنكار ما رُوي في النهي عن استقبال القبلة عند الحاجة نسخًا لما حكاه من رؤيته - صلى الله عليه وسلم - يقضي حاجته مستدبر القبلة، وليس الأمر في ذلك على ما يُتوهّم؛ لأن المشهور من مذهبه أنه لا يجيز الاستقبال والاستدبار