ذات إلَّا بدليل يخصّه، فمن أخرج شيئًا من تلك الذوات، فقد خالف مقتضى العموم.
نعم المطلق يكفي العمل به مرّةً كما قالوه، ونحن لا نقول بالعموم في هذه المواضع من حيث الإطلاق، وإنما قلنا به من حيث المحافظة على ما تقتضيه صيغة العموم في كلّ ذات، فإن كان المطلق مما لا يقتضي العملُ به مرّة واحدةً مخالفةً لمقتضى صيغة العموم اكتفينا في العمل به مرّةً واحدةً، وإن كان العمل به مرّةً واحدةً مما يُخالف مقتضى صيغة العموم قلنا بالعموم؛ محافظةً على مقتضى صيغته، لا من حيث إن المطلق يعمّ.
مثالُ ذلك إذا قال: من دخل داري، فأعطه درهمًا، فمقتضى الصيغة العموم في كلّ ذات صدق عليها أنَّها داخلة.
فإن قال قائلٌ: هو مُطلقٌ في الأزمان، فأعمل به في الذوات الداخلة الدارَ في أول النهار مثلًا، ولا أعمل به في غير ذلك الوقت؛ لأنه مطلقٌ في الزمان، وقد عَمِلتُ به مرّةً، فلا يلزم أن أعمل به مرّةً أخرى؛ لعدم عموم المطلق.
قلنا له: لَمّا دلّت الصيغة على العموم في كلّ ذات دخلت الدار، ومن جملتها الذوات الداخلة في آخر النهار، فإذا أخرجت تلك الذوات، فقد أخرجت ما دلّت الصيغة على دخوله، وهي كلُّ ذات. وهذا الحديث أحدُ ما يُستدلّ به على ما قلناه، فإن أبا أيوب من أهل اللسان والشرع، وقد استعمل قوله: "لا تستقبلوا، ولا تستدبروا" عامًّا في الأماكن، وهو مطلقٌ فيها، وعلى ما قال هؤلاء المتأخّرون لا يلزم منه العموم، وعلى ما قلناه يعمّ؛ لأنه إذا أُخرج عنه بعض الأماكن خالف صيغة العموم في النهي عن الاستقبال والاستدبار. انتهى كلام ابن دقيق العيد - رَحِمَهُ اللهُ - ببعض زيادة (?).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي ذكره ابن دقيق العيد بحث نفيسٌ، وحاصله أن العامّ يُحْمَل على عمومه، ولا يُنظر إلى كونه مطلقًا؛ إذ المحافظة