قال: وينبني على هذا الخلاف في التعليل اختلافهم فيما إذا كان في الصحراء فاستتر بشيء، هل يجوز الاستقبال والاستدبار أم لا؟ فالتعليل باحترام القبلة يقتضي المنع، والتعليل برؤية المصلّين يقتضي الجواز. انتهى (?).

قال الجامع عفا الله عنه: قد عرفت أن حديث رؤية المصلّين غير صحيح، فلا يصحّ التعليل به، فالأولى التعليل باحترام القبلة، ولا يقال: إن حديث سَلَمة بن وَهْرام أيضًا ضعيف؛ لأنا نقول: لا نحتجّ به، وإنما نحتجّ بظاهر حديث أبي أيوب - رضي الله عنه - الصحيح: "فلا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها"، فإن ظاهره يدلّ على أن العلّة هو احترامها، فتأمله، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتيتم الغائط، فلا تستقبلوا القبلة ... " الحديث يقتضي - كما قال ابن دقيق العيد - رَحِمَهُ اللهُ - أمرين؛ أحدهما: ممنوع منه، والثاني علّة لذلك المنع، وقد تقدّم الكلام في علّة المنع في المسألة السابقة، ولنتكلّم هنا على محلّ العلّة، فالحديث دل على المنع من استقبال القبلة بغائط أو بول، وهذه الحالة تتضمّن أمرين؛ أحدهما: خروج الخارج المستقذر، والثاني: كشف العورة، فمن الناس من قال: المنع للخارج؛ لمناسبته لتعظيم القبلة، ومنهم من قال: المنع لكشف العورة.

وينبني على هذا الخلاف خلافهم في جواز الوطء مستقبل القبلة مع كشف العورة، فمن عَلَّل بالخارج أباحه؛ إذ لا خارج، ومن علّل بكشف العورة منعه (?).

قال الجامع عفا الله عنه: هكذا ذكر هذا البحث ابن دقيق العيد - رَحِمَهُ اللهُ -، ولم يرجّح، والذي يظهر لي أن التعليل بالخارج هو الأقرب؛ لظاهر قوله "بغائط أو بول"، ولم يقل: بالعورة، وأما الوطء مستقبل القبلة، مع كشف العورة، فيحتاج إلى ثبوت النهي عنه، فتبصّر، والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015