(المسألة الرابعة): قال الإمام ابن دقيق العيد - رَحِمَهُ اللهُ -: اختلفوا في علّة هذا النهي من حيث المعنى، والظاهر أنه لإظهار الاحترام، والتعظيم للقبلة؛ لأنه معنى مناسبٌ وَرَد الحكم على وفقه، فيكون علّةً له، وأقوى من هذا في الدلالة على هذا التعليل ما رُوي من حديث سَلَمَة بن وَهْرَام، عن سُراقة بن مالك، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتى أحدكم البراز، فليُكرم قبلة الله - عَزَّ وَجَلَّ -، ولا يستقبل القبلة"، وهذا ظاهر قويّ في التعليل بما ذكرناه.

قال الجامع عفا الله عنه: حديث سراقة بن مالك - رضي الله عنه - هذا ضعيف جدًّا؛ لأن في سنده مبشّر بن عبيد، وقد تفرّد به، وهو متروك الحديث، كما بيّنه الدارقطنّيّ، وأخرجه الدارقطنيّ في "سننه" (?)، والبيهقيّ من طريقه، في "المعرفة" (?) من مرسل طاوس، وفي سنده زمعة بن صالح ضعيف، وسلمة بن وهرام، وهو مختلف فيه.

والحاصل أن الحديث لا يثبُت، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

قال: ومنهم من علّل بأمر آخر، فذكر عيسى بن أبي عيسى قال: قلت للشعبيّ: عجبتُ لقول أبي هريرة، ونافع عن ابن عمر، قال: وما قالا؟ قلتُ: قال أبو هريرة: "لا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها"، وقال نافع، عن ابن عمر: رأيت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذهب مذهبًا مواجه القبلة، قال: أما قول أبي هريرة ففي الصحراء؛ لأن لله خلقًا من عباده يصلّون في الصحراء، فلا تستقبلوهم، ولا تستدبروهم، وأما بيوتكم هذه التي تتخذونها للنتن، فإنه لا قبلة لها.

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الحديث أيضًا ضعيف؛ لأن في سنده عيسى بن أبي عيسى الحناط، وضعّفه أحمد، وغيره، بل قال الفلاس، والنسائيّ: متروك (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015