يُبقِ أثرًا قائمًا، فأما أثر لاصقٌ لا يُخرجه إلَّا الماء، فليس عليه إنقاؤه؛ لأنه لو جَهَد لَمْ يُنقِه بغير ماء، قال ابن المنذر: وكذلك نقول. انتهى كلام ابن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ -، وهو بحثٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[تنبيه آخر]: كان الشافعيّ - رَحِمَهُ اللهُ - يقول: وإن وَجَد حجرًا له ثلاثة وجوه، فامتسح بكل واحد امتساحةً كانت كثلاثة أحجار، وكذلك قال أبو ثور، وإسحاق.

وقد عارض بعض الناس الشافعيّ، وقال: ليس يخلو الأمر بثلاثة أحجار من أحد أمرين: إما أن يكون أُريد بها إزالة نجاسة، فإن كان هكذا، فبأيّ شيء أُزيلت النجاسة يجزي، بحجر، وغير حجر، ولو أزيلت بحجر واحد، أو يكون عبادةً، فلا يجزي أقلّ من العدد، أو معنى ثالثًا، فيقال: أريد بها إزالة نجاسة وعبادة، فلما بَطَلَ المعنى الأول، لَمْ يَبْقَ إلَّا هذان المعنيان، ولا يجزي في واحد من المعنيين إلَّا بثلاثة أحجار؛ لأن العبادات لا يجوز أن ينتقص عددها.

قال ابن المنذر: والخبر يدلّ على صحة ما قاله هذا القائل، وذلك موجود في حديث سلمان - رضي الله عنه -: "لا يكفي أحدَكم دون ثلاثة أحجار"، وكُلَّما أُمر الناسُ بعدد شيء لَمْ يجز أقلّ منه، فلا يجزي أن تُرمَى الجمرةُ بأقلَّ من سبع حصيات، مع أن قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَغْنًى به عن غيره، ولا تأويل لما قال: "لا يَكفِي أحدكم دون ثلاثة أحجار" لمتأوّل معه. انتهى كلام ابن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ -.

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله ابن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ -، سيأتي الجواب عنه قريبًا - إن شاء الله تعالى -.

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وأما نصه - صلى الله عليه وسلم - على الأحجار، فقد تعلق به بعض أهل الظاهر، وقالوا: الحجر متعين، لا يجزئ غيره، وذهب العلماء كافّة من الطوائف كلها إلى أن الحجر ليس متعينًا، بل تقوم الْخِرَف والخشب وغير ذلك مقامه، وأن المعنى فيه كونه مزيلًا، وهذا يحصل بغير الحجر، وإنما قال - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة أحجار"؛ لكونها الغالب المتيسر، فلا يكون له مفهوم، كما في قوله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015