(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في حكم الاستنجاء بأقلّ من ثلاثة أحجار:
قال الإمام أبو بكر بن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ -: دلت الأخبار الثابتة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على أن ثلاثة أحجار تجزي من الاستنجاء، وبذلك قال كلُّ من نَحفَظ عنه من أهل العلم، إذا أنقي، ودلّ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن الاستنجاء لا يجزي بأقل من ثلاثة أحجار.
ثم أخرج حديث سلمان - رضي الله عنه - المذكور في الباب، بلفظ: قال: قال المشركون: لقد علَّمكم صاحبكم حتى يوشك أن يعلمكم الخرأة، قال: أجل نهانا أن نستنجي بالعظام، وبالرجيع، وقال: "لا يكفي أحدكم دون ثلاثة أحجار"، قال: فقوله: "لا يجزي أحدكم دون ثلاثة أحجار" يدلُّ على إغفال مَن زَعَم أن المعنى منه إزالة النجاسة، وأن أقلّ من ثلاثة أحجار تجزي إذا نَقّي، ويلزم قائل هذا القول طَرْحُ الاستنجاء إذا لَمْ يكن للغائط أثرٌ، وذلك موجود في بعض الناس، وحديث ابن مسعود (?)، مع حديث سلمان يدلّ أن أقلّ من ثلاثة أحجار لا تجزي.
قال أبو بكر: وثبت أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "وإذا استجمر فليوتر".
قال: فإن قال قائل: فإن اسم الوتر يقع على واحد، ففي حديث سلمان حيث قال: "لا يكفي أحدكم دون ثلاثة أحجار" دليلٌ على أنه أراد بقوله: "مَن استجمر فليوتر" ثلاثة أحجار، وفي حديث جابر - رضي الله عنه - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا استجمر أحدكم، فليستجمر ثلاثًا"، دليل على ذلك، وأخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُفَسِّر بعضها بعضًا، ويدُلّ بعضها على معنى بعض.