وقال النووي - رَحِمَهُ اللهُ - في "شرحه": وأما النهي عن استقبال القبلة بالبول والغائط، فقد اختَلَف العلماء فيه على مذاهب:

[أحدهما]: مذهب مالك، والشافعيّ - رحمهما الله تعالى - أنه يحرم استقبال القبلة في الصحراء بالبول والغائط، ولا يحرم ذلك في البنيان، وهذا مرويّ عن العباس بن عبد المطلب، وعبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -، والشعبيّ، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين - رحمهم الله تعالى -.

[والمذهب الثاني]: أنه لا يجوز ذلك، لا في البنيان، ولا في الصحراء، وهو قول أبي أيوب الأنصاريّ الصحابيّ - رضي الله عنه -، ومجاهد، وإبراهيم النخعيّ، وسفيان الثوريّ، وأبي ثور، وأحمد في رواية.

[والمذهب الثالث]: جواز ذلك في البنيان والصحراء جميعًا، وهو مذهب عروة بن الزبير، وربيعة، شيخ مالك، وداود الظاهريّ - رحمهم الله تعالى -.

[والمذهب الرابع]: لا يجوز الاستقبال، لا في الصحراء، ولا في البنيان، ويجوز الاستدبار فيهما، وهي إحدى الروايتين عن أبي حنيفة، وأحمد - رحمهما الله تعالى -.

واحتج المانعون مطلقًا بالأحاديث الصحيحة الواردة في النهي مطلقًا، كحديث سلمان المذكور هنا، وحديث أبي أيوب، وأبي هريرة، وغيرهما، قالوا: ولأنه إنما منع لحرمة القبلة، وهذا المعنى موجود في البنيان والصحراء، ولأنه لو كان الحائل كافيًا لجاز في الصحراء؛ لأن بيننا وبين الكعبة جبالًا، وأوديةً، وغير ذلك من أنواع الحائل.

واحتج من أباح مطلقًا بحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - الآتي ذكره: "أنه رأى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مستقبلًا بيت المقدس، مستدبر القبلة"، وبحديث عائشة - رضي الله عنها - المذكور آنفًا، وقد عرفت أنه ضعيف، لا يصلح للاحتجاج به.

واحتج مَن أباح الاستدبار دون الاستقبال، بحديث سلمان - رضي الله عنه -.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015