فيقال: اسم الإيمان تارةً يُذكر مفردًا، غير مقرون باسم الإسلام، ولا باسم العمل الصالح، ولا غيرهما، وتارة يُذكر مقرونًا، إما بالإسلام، كقوله في حديث جبرائيل: "ما الإسلام، وما الإيمان؟ "، وكقوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} الآية [الأحزاب: 35]، وقوله عز وجل: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} الآية [الحجرات: 14]، وقوله عز وجل: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36)} [الذاريات: 35 - 36]. وكذلك ذكر الإيمان مع العمل الصالح، وذلك في مواضع من القرآن، كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الآية [الكهف: 107]، وإما مقرونًا بالذين أوتوا العلم، كقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ} الآية [لروم: 56]، وقوله: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} الآية [المجادلة: 11]، وحيث ذكر الذين آمنوا، فقد دخل فيهم الذين أوتوا العليم، فإنهم خيارهم، قال تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} الآية [آل عمران: 7]، وقال: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} الآية [النساء: 162].

ويذكر أيضًا لفظ المؤمنين، مقرونًا بالذين هادوا، والنصارى، والصابئين، ثم يقول: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62]، فالمؤمنون في ابتداء الخطاب غير الثلاثة، والإيمان الآخر عمّهم، كما عمّهم في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)} [البينة: 7]، وسنبسط هذا إن شاء الله.

فالمقصود هنا العموم والخصوص بالنسبة إلى ما في الباطن والظاهر من الإيمان، وأما العموم بالنسبة إلى الملل، فتلك مسألة أخرى، فلما ذكر الإيمان مع الإسلام، جعل الإسلام هو الأعمال الظاهرة: الشهادتان، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحجّ، وجعل الإيمان ما في القلب، من الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وهكذا في الحديث الذي رواه أحمد، عن أنس - رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الإسلام علانيةٌ، والإيمان في القلب" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015