صلح الجسد بالإسلام، وهو من الإيمان، يدل على ذلك أنه قال في حديث جبريل عليه السلام: "هذا جبريل جاءكم يُعلّمكم دينكم"، فجعل الدين هو الإسلام، والإيمان، والإحسان"، فتبين أن ديننا يجمع الثلاثة، لكن هو درجات ثلاث: مسلم، ثم مؤمن، ثم محسنٌ، كما قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} الآية [فاطر: 32]، والمقتصد، والسابق كلاهما يدخل الجنّة بلا عقوبة، بخلاف الظالم لنفسه، وهكذا من أتى بالإسلام الظاهر مع تصديق القلب، لكن لم يقم بما يجب عليه من الإيمان الباطن، فإنه معرّضٌ للوعيد، كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
وأما الاحسان: فهو أعمّ من جههّ نفسه، وأخصّ من جهة أصحابه من الإيمان، والإيمان أعمّ من جهة نفسه، وأخصّ من جهة أصحابه من الإسلام، فالإحسان يدخل فيه الإيمان، والإيمان يدخل فيه الإسلام، والمحسنون أخصّ من المؤمنين، والمؤمنون أخصّ من المسلمين، وهذا كما يقال: في الرسالة والنبوّة، فالنبوّة داخلة في الرسالة، والرسالة أعمّ من جهة نفسها، وأخصّ من جهة أهلها، فكلّ رسول نبيّ، وليس كل نبيّ رسولًا، فالأنبياء أعمّ، والنبوّة نفسها جزء من الرسالة، فالرسالة تتناول النبوّة، وغيرها، بخلاف النبوّة، فإنها لا تتناول الرسالة. والنبيّ - صلى الله عليه وسلم - فسّر الإسلام، والإيمان بما أجاب به، كما يجاب عن الحدود بالحدّ، إذا قيل: ما كذا؟ قيل: كذا وكذا، كما في الحديث الصحيح لَمّا قيل: ما الغيبة؟ قال: "ذكرك أخاك بما يَكره"، وفي الحديث الآخر: "الكبر بطر الحقّ، وغمط الناس"، وبطر الحقّ: جحده، ودفعه، و"غمط الناس": احتقارهم، وازدراؤهم.
وسنذكر - إن شاء الله تعالى - سبب تنوّع أجوبته، وأنها كفها حقّ. ولكن المقصود أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "بُني الإسلام على خمس"، كقوله: الإسلام هو الخمس، كما ذكر في حديث جبرائيل عليه السلام، فإن الأمر مركّبٌ من أجزاء تكون الهيئة الاجتماعيّة فيه مبنيّة على تلك الأجزاء، ومركّبةً منها، فالإسلام مبنيّ على هذه الأركان - وسنبيّن إن شاء الله - اختصاص هذه الخفس بكونها هي الإسلام، وعليها بُني الإسلام، ولم خُضت بذلك، دون غيرها من الواجبات.
وقد فسر الإيمان في حديث وفد عبد القيس بما فسّر به الإسلام هنا،