دمك"، قال: أيّ الساعات أفضل؟ قال: "جوف الليل الغابر".

ومعلوم أن هذا كله مراتب، بعضها فوق بعض، وإلا فالمهاجر لا بدّ أن يكون مؤمنًا، وكذا المجاهد، ولهذا قال: "الإيمان السماحة والصبر"، وقال في الإسلام: "إطعام الطعام، وطيب الكلام"، والأول مستلزم للثاني، فإن من كان خلقه السماحة، فعل هذا بخلاف الأول، فإن الإنسان قد يفعل ذلك تخلّقًا، ولا يكون في خلقه سماحة وصبرٌ، وكذلك قال: "أفضل المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده"، وقال: "أفضل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا"، ومعلومٌ أن هذا يتضمّن الأول، فمن كان حسن الخلق فعل ذلك. قيل للحسن البصريّ: ما حسن الخلق؟ قال: بذل الندى، وكفّ الأذى، وطلاقة الوجه، فكفّ الأذى جزء من حسن الخلق، وستأتي الأحاديث الصحيحة بأنه جعل الأعمال الظاهرة من الإيمان، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق"، وقوله لوفد عبد القيس: "آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ : شهادة أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدّوا خمس ما غنمتم".

ومعلوم أنه لم يرد أن هذه الأعمال تكون إيمانًا بالله بدون إيمان القلب؛ لِمَا قد أخبر في غير موضع أنه لا بدّ من إيمان القلب، فعُلم أن هذه مع إيمان القلب هو الإيمان. وفي "المسند" عن أنس - رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الإسلام علانية، والإيمان في القلب " (?)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد، ألا وهي القلب"، فمن صلح قلبه صلح جسده قطعًا، بخلاف العكس.

وقال سفيان بن عيينة: كان العلماء فيما مضى يكتب بعضهم إلى بعض بهؤلاء الكلمات: من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه. رواه ابن أبي الدنيا في "كتاب الإخلاص". فعلم أن القلب إذا صلح بالإيمان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015