ومنهم من قال: المراد بالإيمان ها هنا الصلاة، كما في قوله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} الآية [البقرة: 143]، والمراد صلاتكم إلى بيت المقدس، فإذا كان المراد بالإيمان الصلاة، فالصلاة لا تُقْبَل إلا بطهور، فصار الطهور شطر الإيمان بهذا الاعتبار، حَكَى هذا التفسير محمد بن نصر المروزي في "كتاب الصلاة" عن إسحاق بن راهويه، عن يحيى بن آدم، وأنه قال في معنى قولهم: "لا أدري نصف العلم": إن العلم إنما هو: أدري، ولا أدري، فأحدهما نصف الآخر.

قال ابن رجب: كلُّ شيء كان تحته نوعان، فأحدهما نصف له، وسواء كان عدد النوعين على السواء، أو أحدهما أزيد من الآخر، ويدل على هذا حديث: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين" (?) والمراد قراءة الصلاة، ولهذا فسرها بالفاتحة، والمراد أنها مقسومة للعبادة والمسألة، فالعبادة حقّ

الربّ، والمسألة حقّ العبد، وليس المراد قسمة كلماتها على السواء، وقد ذكر هذا الخطابيّ، واستَشْهَد بقول العرب: نصفُ السنة سفرٌ، ونصفها حضرٌ، قال: وليس على تساوي الزمانين فيهما، لكن على انقسام الزمانين لهما، وإن تفاوتت مُدّتاهما، وبقول شريح، وقد قيل: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت، ونصف الناس عليّ غضبان، يريد أن الناس بين محكوم له، ومحكوم عليه، فالمحكوم عليه غضبان عليه، والمحكوم له راض عنه، فهما حزبان مختلفان، وبقول الشاعر [من الطويل]:

إِذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَيْنِ شَامِتٌ ... بِمَوْتِي وَمُثْنٍ بِالَّذِي كُنْتُ أَفْعَلُ

ومراده أنهم ينقسمون قسمين.

ومن هذا المعنى حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المرفوع في الفرائض: "أنها نصف العلم"، أخرجه ابن ماجه (?)، فإن أحكام المكلفين نوعان: نوع يتعلق بالحياة، ونوع يتعلق بما بعد الموت، وهذا هو الفرائض.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015