المعاصي، وهذا القول مُحْتَمِلٌ لولا أن رواية "الوضوءُ شطر الإيمان" تَرُدّه، وكذلك رواية "إسباغُ الوضوء"، وأيضًا ففيه نظر من جهة المعنى، فإن كثيرًا من الأعمال تُطَهِّر النفس من الذنوب السابقة، كالصلاة، فكيف لا تدخل في اسم الطهور؟ ومتى دخلت الأعمال، أو بعضها في اسم الطهور، لم يتحقق كون ترك الذنوب شطر الإيمان.
والصحيح الذي عليه الأكثرون، أن المراد بالطهور ها هنا التطهير بالماء من الأحداث، ولذلك بدأ مسلم بتخريجه في أبواب الوضوء، وكذلك أخرجه النسائيّ، وابن ماجه وغيرهما، وعلى هذا فاختَلَفَ الناس في معنى كون الطهور بالماء شطر الإيمان، فمنهم من قال: المراد بالشطر الجزء، لا أنه النصف بعينه، فيكون الطهور جزءًا من الإيمان، وهذا فيه ضعف؛ لأن الشطر إنما يُعْرَف استعماله لغةً في النصف، ولأن في حديث الرجل من بني سُليم: "الطهور نصف الإيمان" (?).
ومنهم من قال: المعنى أنه يُضاعَف ثواب الوضوء إلى نصف ثواب الإيمان، لكن من غير تضعيف وفي هذا نظرٌ، وبُعْدٌ.
ومنهم من قال: الإيمان يُكَفِّر الكبائر كلَّها، والوضوء يُكَفِّر الصغائر، فهو شطر الإيمان بهذا الاعتبار، وهذا يَرُدُّه حديث: "مَن أساء في الإسلام أُخِذ بما عَمِل في الجاهلية" (?).
ومنهم من قال: الوضوء يُكَفِّر الذنوب مع الإيمان، فصار نصف الإيمان، وهذا ضعيف.