وبوصيّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأخرى حيث قال لرجل، وهو يعظه: "اغتنم خمسًا قبل خمس": حياتك قبل موتك، وصحّتك قبل سَقَمك، وفراغك قبل شُغلك، وشبابك قبل هَرَمك، وغناك قبل فقرك" (?).
ورُوي عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الكيّس مَن دان نفسه، وعَمِل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله"، أخرجه الترمذيّ، وحسّنه، وفيه نظر؛ لأن سنده ضعيف.
قال: ومعنى قوله: "من دان نفسه" يقول: حاسَبَ نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب يوم القيامة.
ويروى عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وتزينوا للعرض الأكبر، وإنما يَخِفّ الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا".
ويُرْوَى عن ميمون بن مِهْرَان قال: لا يكون العبد تَقِيًّا حتى يُحاسب نفسه كما يحاسب شريكه، من أين مطعمه وملبسه. انتهى (?)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد أجاد الكلام في هذا الحديث، واستوفى مباحثه الحافظ ابن رجب الله رحمه الله في "جامع العلوم والحكم"، أحببت إيراده، وإن كان بعضه تقدّم، إلا أن أبحاثه متميّزةٌ كما لا يخفى على بصير، فأورده بمسائل حتى يسهل فهمه، فأقول:
(المسألة الرابعة): في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الطهور شطر الإيمان" فسّر بعضهم الطهور ها هنا بترك الذنوب، كما في قوله تعالى: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف: 82]، وقوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} [المدثر: 4]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]، وقال: الإيمان نوعان: فعلٌ، وتركٌ، فنصفه فعل المأمورات، ونصفه ترك المحظورات، وهو تطهير النفس بترك