وفي معنى هذا الوعيد الذي ذُكر هنا من أن القرآن حجة على العبد إذا لم يعمل به، ما جاء في الحديث الطويل الذي أخرجه المصنّف رحمه الله من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أول الناس يُقْضَى يوم القيامة عليه: رجل استُشهِد، فأُتي به، فعرّفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك، حتى استُشهدتُ، قال: كذبتَ، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أُمِر به، فسُحِب على وجهه حتى أُلقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلّمه، وقرأ القرآن، فأُتي به، فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عَمِلتَ فيها؟ قال: تعلمت العلم، وعلّمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به، فسُحِب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وَسَّعَ الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كُلِّه، فأُتي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل، تُحِبّ أن يُنفَقَ فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أُمر به، فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار" (?). اللهم انفعنا بما علّمتنا، وعلّمنا ما ينفعنا، وزدنا علمًا، إنك رؤوفٌ رحيم.
9 - (ومنها): بيان أن الناس صنفان: صنف يسعى فيما فيه نجاته وصلاحه في الدنيا والآخرة، وصنفٌ يسعى فيما فيه هلاكه، وخسرانه في الدنيا والآخرة.
10 - (ومنها): الحثّ على سعي الإنسان للخيرات؛ لأن الدنيا مزرعة الآخرة، والكيّس من أخذ بوصيّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي أوصى بها عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -، فقد أخرج الإمام البخاريّ رحمه الله في "صحيحه"، فقال: عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -، قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي، فقال: "كن في الدنيا كأنك غريبٌ، أو عابر سبيل"، وكان ابن عمر يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك".