يَسعَى بنفسه، فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعته، فيعتقها من العذاب، ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعهما، فيوبقها؛ أي يهلكها؛ قاله النوويّ (?).

وقال في "المفاتيح": البيع المبادلة، والمعنى به ها هنا صرف النفس واستعمالها في عِوَض ما يتوخّاه، ويتوجّه نحوه، فإن كان خيرًا يرضاه الله تعالى، فقد أعتق نفسه من النار، وإن كان شرًّا، فقد أوبقها؛ أي أهلكها. انتهى (?).

وقال القرطبيّ: قوله: "يغدو": بمعنى يُبكّر، يقال: الناس فريقان: غَدَا: إذا خرج صباحًا في مصالحه يغدو، وراح: إذا رجع بعسيّ، ومعنى ذلك أن كلّ إنسان يُصبح ساعيًا في أموره، متصرّفًا في أغراضه، ثم إما أن تكون تصرّفاته بحسب دواعي الشرع والحقّ، فهو الذي يبيع نفسه من الله، وهو بيع آئل إلى عتق وحرّيّة؛ كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} الآية [التوبة: 111] ومنه قول ابن مسعود - رضي الله عنه -: "الناس غاديان، فبائع نفسه، فموبقها، أو مُفاديها، فمعتقها" (?). انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (?).

وفي "الكاشف": الغدوّ: سير أول النهار، وهو ضدّ الرواح، وقد غدا يغدو غُدُوًّا، مأخوذ من الغدوة، بالضمّ، وهي ما بين الصبح وطلوع الشمس، والبيع والشراء يطلق أحدهما على الآخر؛ لارتباط كلّ منهما بالآخر، ولَمّا كان كلُّ واحد من المتعاقدين من عادته اختيار ما في يد صاحبه على ما في يده، وإيثاره عليه بالمبادلة معه، وُضِعَ لفظ البيع والشراء مكان ترك حالة، وكسب أخرى، والمراد ها هنا صرف النفس في الأغراض التي توخّتها النفس، وتوجّهت نحوها، واستعمالها فيها، فإن آثر آخرته على دنياه، واشتراها بالدنيا، فقد أعتق نفسه عن أليم العقاب، وإن آثر دنياه على آخرته، واشتراها بالآخرة، فقد أوبق نفسه؛ أي أهلكها بأن جعلها عُرضةً لعظيم العذاب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015