فقوله: "فبائع نفسه" خبر؛ أي هو مشتر نفسه بدليل قوله: "فمعتقها"؛ إذ الإعتاق إنما يصحّ من المشتري، وهو محذوف المبتدأ، فإنه يحذف كثيرًا بعد الفاء الجزائيّة.
وقوله: "فمعتقها" خبر بعد الخبر، ويجوز أن يكون بدل بعض من قوله: "فبائع نفسه".
قال الطيبيّ بعد ذكر ما تقدّم: أقول - وبالله التوفيق -: لعلّ المعنى بالإيمان ها هنا شُعبه، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الإيمان بضع وسبعون شعبة"، والطُّهُور، والحمد لله، وسبحان الله، والصلاة، والصدقة، والصبر، والقرآن العظيم أعظم شعبه التي لا تنحصر، وتخصيص ذكرها لبيان فائدتها، وفخامة شأنها، فبدأ بالطهور، وجعله شطر الإيمان؛ أي شُعبةً منه، ومجازه كمجازه في قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144]؛ أي نحوه. وتقرير كون الطهور شعبة من الإيمان بوجوه:
[أحدها]: أنه - صلى الله عليه وسلم - جعل نقصان الدين في قوله للنساء: "أليست إذا حاضت لم تصلّ، ولم تصُم؟ " قلن: بلى، قال: "فذلك من نقصان دينها"، متّفقٌ عليه، فكلّ مانع يمنع المكلّف من الطاعة هو موجب نقصان دينه، وما يرفع المانع لا يبعد أن يُعدّ من الدين.
[وثانيها]: أن طهارة الظاهر أمارة لطهارة الباطن؛ لأن الظاهر عُنوان الباطن، كما أن طهارة الظاهر ترفع الخبث والحدث من الظاهر؛ ليستعدّ للشروع في العبادات، كذلك طهارة الباطن، وهي التوبة تفتح باب السلوك للسائرين إلى الله تعالى، ومن ثمّ جمعهما في قوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]، وقيّد كلّ واحد منهما بمحبّة مستقلّة.
[وثالثها]: أنه قد اشتهر أن من أراد الوفود إلى العظماء يتحرّى بتطهير ظاهره من الدنس والأَوْضَار، ولُبس الثياب النقيّة الفاخرة، فوافد مالك الملوك، ذي العزّة والجبروت أولى وأحرى بذلك، ومن ثَمَّ شُرعت نظافة البدن والثوب، والتطيّبُ في أيّام الأعياد والجمعات، قال الله عز وجل لحبيبه - صلى الله عليه وسلم -: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)} [المدثر: 3 - 5]، وإنما قُدّم {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)} عن تالييه؛ لكونه هو المقصود، وإن كان مؤخّرًا في الوجود؛ لأن