وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} الآية [البقرة: 265]. والله تعالى أعلم (?)، وسيأتي تمام البحث في المسألة السابعة - إن شاء الله تعالى -.
(وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ) أي نُورٌ قويّ، كما قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} الآية [يونس: 5].
وقال أبو العباس القرطبيّ رحمه الله: قوله: "وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ" كذا صحّت روايتنا فيه، وقد رواه بعض المشايخ: "والصوم ضياء" بالميم، ولم تقع لنا تلك الرواية.
قال الجامع عفا الله عنه: الرواية بلفظ: "والصوم ضياء" وقدت عند أبي نعيم في "مستخرجه على صحيح مسلم" من طريق بشر بن موسى، عن يحيى بن إسحاق السيلحينيّ، عن أبان العطار (?).
قال القرطبيّ: على أنه يصحّ أن يعبّر بالصبر عن الصوم، وقد قيل ذلك في قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} الآية [البقرة: 45]. وإن نَزّلناه (?) على ذلك، فيقال في كون الصبر ضياء؛ كما قيل في كون الصلاة نورًا، وحينئذ لا يكون بين النور والضياء فرقٌ معنويٌّ، بل لفظيٌّ.
والأَوْلَى أن يقال: إن الصبر في هذا الحديث غير الصوم، بل هو الصبرُ على العبادات، والمشاقّ، والمصائب، والصبرُ عن المخالفات، والمنهيّات؛ كاتباع هوى النفس، والشهوات، وغير ذلك، فمن كان صابرًا في تلك الأحوال متثبّتًا فيها؛ مقابلًا لكلّ حال بما يليق به ضاءت له عواقب أحواله، ووضَحَت له مصالح أعماله، فظَفِرَ بمطلوبه، وحَصَل من الثواب على مرغوبه، كما قيل [من البسيط]:
فَقَلَّ مَنْ جَدَّ فِي أَمْرٍ تَطَلَّبَهُ ... وَاسْتَعْمَلَ الصَّبْرَ إِلا فَازَ بِالظَّفَرِ
انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (?).