ولعلّ الأعمال تصير أجسامًا لطيفةً نورانيّةً، لا تُزاحم بعضها، ولا يزاحم غيرها أيضًا، كما هو المشاهد في الأنوار؛ إذ يمكن أن يُسرَج ألف سراج في بيت واحد، مع أنه يمتلئ نورًا من واحد من تلك السُّرُج، لكن لكونه لا يزاحم يجتمع معه نور الثاني ونور الثالث، ثم لا يمنع امتلاء البيت من النور جلوسَ القاعدين فيه؛ لعدم التزاحم، فلا يرد أنه كيف يتصوّر ذلك مع كثرة التسبيحات والتقديسات؟ مع أنه يلزم من وجوده أن لا يبقى مكان لشخص من أهل المحشر، ولا لعمل آخر متجسّد مثل تجسّد التسبيح وغيره. انتهى كلام السنديّ رحمه الله (?).
وهو تحقيقٌ نفيسٌ، وسيأتي تمام البحث في هذا في المسألة الخامسة - إن شاء الله تعالى -.
(وَالصَّلَاةُ نُورٌ) أي منوّرة للقلوب، وشارحة للصدور، وقال أبو العباس القرطبيّ رحمه الله: معناه: أن الصلاة إذا فُعلت بشروطها المصحّحة، والمكمّلة نوّرت القلب؛ بحيث تشرق فيه أنوار المكاشفات والمعارف، حتى ينتهي أمر مَن يراعيها حقّ رعايتها أن يقول: "وجُعلت قرّة عيني في الصلاة" (?)، وأيضًا فإنها تنوّر بين يدي مُراعيها يوم القيامة في تلك الظُّلَم، وأيضًا تنوّر وجه المصلّي يوم القيامة، فيكون ذا غرّة وتحجيل، كما ورد في حديث عبد الله بن بُسْر - رضي الله عنه -، مرفوعًا: "أمتي يوم القيامة غُرٌّ من السجود، محجّلون من الوضوء" (?). انتهى كلام القرطبيّ (?).
وقال النوويّ رحمه الله: معناه: أنها تمنع من المعاصي، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، وتَهْدي إلى الصواب، كما أن النور يُستضاء به، وقيل: معناه أنه يكون أجرها نورًا لصاحبها يوم القيامة، وقيل: لأنها سبب لإشراق أنوار