وأما إطلاق اسم الايمان على الأعمال، فمتفق عليه عند أهل الحق، ودلائله في الكتاب والسنّة، أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تشهر، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]، أجمعوا على أن المراد صلاتكم، وأما الأحاديث، فستمر بك في هذا الكتاب، منها جُمَلٌ مستكثرات، والله أعلم.
واتفق أهل السنّة من المحدثين، والفقهاء، والمتكلمين، على أن المؤمن الذي يُحكَم بأنه من أهل القبلة، ولا يخلد في النار، لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام، اعتقادًا جازمًا، خاليًا من الشكوك، ونطق بالشهادتين، فإن اقتصر على إحداهما، لم يكن من أهل القبلة أصلًا، إلا إذا عجز عن النطق؛ لخلل في لسانه، أو لعدم التمكن منه لمعاجلة المنية، أو لغير ذلك، فإنه يكون مؤمنًا، أما إذا أتى بالشهادتين، فلا يشترط معهما، أن يقول: وأنا بريء من كل دين، خالف الإسلام، إلا إذا كان من الكفار، الذين يعتقدون اختصاص رسالة نبينا - صلى الله عليه وسلم - بالعرب، فإنه لا يُحكم بإسلامه، إلا بأن يتبرأ، ومن أصحابنا يعني أصحابَ الشافعي رحمه الله مَن شرط أن يتبرأ مطلقًا، وليس بشيء، أما إذا اقتصر على قوله: لا إله إلا الله، ولم يقل: محمد رسول الله، فالمشهور من مذهبنا، ومذاهب العلماء أنه لا يكون مسلمًا، ومن أصحابنا من قال: يكون مسلمًا، ويطالب بالشهادة الأخرى، فإن أبى جُعل مرتدًا، ويُحتَجُّ لهذا القول بقوله - صلى الله عليه وسلم - "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم"، وهذا محمول عند الجماهير على قول الشهادتين، واستغنى بذكر إحداهما عن الأخرى، لارتباطهما، وشهرتهما. والله أعلم.
أما إذا أقر بوجوب الصلاة، أو الصوم، أو غيرهما من أركان الإسلام، وهو على خلاف ملته التي كان عليها، فهل يجعل بذلك مسلمًا، فيه وجهان لأصحابنا، فمن جعله مسلمًا، قال: كل ما يكفر المسلم بإنكاره يصير الكافر بالإقرار به مسلمًا أما إذا أقرّ بالشهادتين بالعجمية، وهو يحسن العربية، فهل يُجعل بذلك مسلمًا فيه وجهان لأصحابنا، الصحيح منهما أنه يصير مسلمًا؛ لوجود الإقرار، وهذا الوجه هو الحق ولا يظهر للآخر وجه، وقد بينت ذلك مستقصى في "شرح المهذب"، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ رحمه الله 1/ 144 - 149. وهو تحقيقٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم بالصواب.