(المسألة الرابعة):
قد حقّق هذا الموضوع شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله تعالى تحقيقًا بالغًا، أحببت إيراده؛ تأكيدًا، وتفصيلًا لما سبق من كلام الأئمة الذين نقلنا نصوصهم في المسائل السابقة، قال رحمه الله تعالى:
[اعلم]: أن الإيمان والإسلام يجتمع فيهما الدين كلّه، وقد كَثُر كلام الناس في حقيقة الإيمان والإسلام، ونزاعهم، واضطرابهم، وقد صُنّفت في ذلك مجلّدات، والنزاع في ذلك من حين خرجت الخوارج بين عامة الطوائف، ونحن نذكر ما يُستفاد من كلام النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، مع ما يُستفاد من كلام الله تعالى، فيصل المؤمن إلى ذلك من نفس كلام الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن هذا هو المقصود، فلا نذكر اختلاف الناس ابتداء، بل نذكر من ذلك في ضمن ما يُستفاد من كلام الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ما يبيّن أن ردّ موارد النزاع إلى الله تعالى وإلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - خير وأحسن تأويلًا، وأحسن عاقبة في الدنيا والآخرة.
فنقول: قد فرق النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في حديث جبريل عليه السلام بين مسمّى الإسلام، ومسمّى الإيمان، ومسمّى الإحسان، فقال: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلًا"، وقال: "الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشرّه". والفرق مذكور في حديث عمر - رضي الله عنه - الذي انفرد به مسلم، وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي اتّفق البخاريّ ومسلم عليه، وكلاهما فيه أن جبريل جاءه في صورة إنسان أعرابيّ فسأله، وفي حديث عمر - رضي الله عنه - أنه جاءه في صورة أعرابيّ. وكذلك فسّر الإسلام في حديث ابن عمر المشهور، قال: "بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان".
وحديث جبريل يبيِّن أن الإسلام المبنيّ على خمس هو الإسلام نفسه، ليس المبنيّ غير المبنيّ عليه، بل جعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الدين ثلاث درجات: أعلاها الإحسان، وأوسطها الإيمان، ويليه الإسلام، فكل محسن مؤمن، وكلّ مؤمن مسلم، وليس كلّ مؤمن محسنًا، ولا كلّ مسلم مؤمنًا، كما سيأتي بيانه - إن