ابْنَكَ) البراء (يَحْمِلْهُ)؛ أي: الرحل (مَعِي إِلَى مَنْزِلِي)؛ أي: بيتى، (فَقَالَ لِي
أَبِي: احْمِلْهُ) معه إلى منزله، (فَحَمَلْتُهُ) ووقع في رواية إسرائيل أن عازبًا امتنع من
إرسال ابنه مع أبي بكر حتى يحدثه أبو بكر بالحديث، وهي زيادة ثقة مقبولة، لا
تنافي، هذه الرواية، بل يُحمَل قوله: "فقال له أبي"؛ أي: من قبل أن أحمله معه،
أو أعاد عازب سؤال أبي بكر عن التحديث بعد أن شرطه عليه أوّلًا وأجابه إليه.
[تنبيه]: قال الخطابيّ رحمه الله: تمسك بهذا الحديث من استجاز أخذ الأجرة
على التحديث، وهو تمسك باطل؛ لأن هؤلاء اتخذوا التحديث بضاعة، وأما
الذي، وقع بين عازب وأبي بكر فإنما هو على مقتضى العادة الجارية بين التجار
بأن أتباعهم يحملون السلعة مع المشتري، سواء أعطاهم أجرة أم لا.
قال الحافظ: كذا قال، ولا ريب أن في الاستدلال للجواز بذلك بُعْدًا؛
لتوقفه على أن عازبًا لو استمرّ على الامتناع من إرسال ابنه لاستمر أبو بكر
على الامتناع من التحديث، والله أعلم. انتهى (?).
(وَخَرَجَ أَبِي مَعَهُ)؛ أي: مع أبي بكر، (يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ)؛ أي: يستوفيه، (فَقَالَ
لَهُ)؛ أي: لأبي بكر، (أَبِي) عازب، (يَا أَبَا بَكْرِ حَدِّثْنِي كَيْفَ صَنَعْتُمَا لَيْلَةَ
سَرَبْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: نَعَمْ أَسْرَيْنَا) هكَذا استعمل كل منهما إحدى
اللغتين، فإنه يقال: سريت، وأسريت في سير الليل، قاله في "الفتح"، وقال
في "العمدة": سوى وأسرى لغتان بمعنى السير في الليل، قال الله تعالى:
{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء: 1]، وقال: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4)} [الفجر: 4]. (لَيْلَتَنَا كُلَّهَا) زاد في رواية البخاريّ: "ومن الغد"؛ يعني: سرينا
ليلًا، وذلك حين خرجا من الغار، وكانا لبثا في الغار ثلاث ليال، ثم خرجا،
وقوله: "ومن الغد"؛ أي: بعض الغد، والعطف فيه كما في قوله:
عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدَا
(حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ)؛ أي: نصف النهار، وسمي قائمًا؛ لأن الظل لا
يظهمر حينئذ، فكأنه واقف، ووقع في رواية إسرائيل: "أسرينا ليلتنا ويومنا حتى
أظهرنا"؛ أي: دخلنا في وقت الظهر.