فصب منه الماء، وتوضأ"، ومثله قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فانظر هل في أشجابه من شيء؟ "
وأما قول المازريّ وغيره: إن المراد بالأشجاب هنا: الأعواد التي تُعلَّق عليها
القِرابة، فغلط؛ لقوله: يبرد فيها على حِمارة من جريد، وأما الحمارة فبكسر
الحاء، وتخفيف الميم والراء، وهي أعواد تُعلَّق عليها أسقية الماء، قال
القاضي: ووقع لبعض الرواة: حمار بحذف الهاء، ورواية الجمهور: حمارة
بالهاء، وكلاهما صحيح، ومعناهما ما ذكرنا. انتهى.
(قَالَ) جابر: (فَقَالَ) النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (لِيَ: "انْطَلِقْ إِلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الأَنْصَارِيِّ)
هو هذا الرجل المذكور، (فَانْظُرْ هَلْ فِي أَشْجَابِهِ مِنْ شَيْءٍ؟ ) (، قَالَ) جابر:
(فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِ، فَنَظَرْتُ فِيهَا)؛ أي: في أشجابه (فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَّا قَطْرَةً)؛ أي:
يسيرًا (فِي عَزْلَاءِ شَجْبٍ مِنْهَا) العزلاء بفتح العين المهملة، وبإسكان الزاي،
وبالمدّ، وهي فم القربة، (لَوْ أَنِّي أفرِغُهُ لَشَرِبَهُ يَابِسُهُ) معناه أنه قليل جدًّا،
فلقلّته مع شدّة يُبْس باقي الشجب، وهو السقاء، لو أفرغته لأنشفه اليابس منه،
ولم ينزل منه شيء. (فَأَتيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَمْ أَجِدْ
فِيهَا)؛ أي: في تلك الأشجاب (إِلَّا قَطْرَةً فِي عَزْلَاءِ شَجْبٍ مِنْهَا، لَوْ أَنِّي أُفْرِغُهُ
لَشَرِبَهُ يَابسُهُ)؛ أي: يابس الشجب، وجافّه. (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -. ("اذْهَبْ، فَأْتِنِي بِهِ"،
فَأَتَيْتَهُ بِهِ، فَأَخَذَهُ) - صلى الله عليه وسلم - (بِيَدِهِ) المباركة (فَجَعَلَ)؛ أي: شرع - صلى الله عليه وسلم -، وأخذ (يَتَكَلَّمُ
بِشَيْءٍ، لَا أَدْرِي مَا هُوَ؟ ) هل هو دعاء، أم غيره؟ (وَيَغْمِزُهُ)؛ أي: يعصره،
ويحركه (بِيَدَيْهِ) وفي نسخة: "بيده" بالإفراد، (ثُمَّ أَعْطَانِيهِ)؛ أي: ذلك
الشجب، (فَقَالَ: يَا جَابِرُ نَادِ بِجَفْنَةٍ، فَقُلْتُ: يَا جَفْنَةَ الرَّكْبِ)؛ أي: يا صاحب
جفنة الركب، فحُذف المضاف؛ للعلم بأنه المراد، وأن الجفنة لا تنادى،
ومعناه: يا صاحب جفنة الركب التي تُشبعهم أَحْضِرها؛ أي: من كان عنده
جفنة بهذه الصفة، فليحضرها، والجفنة بفتح الجيم. (فَأُتِيتُ بِهَا)؛ أي:
بالجفنة، حال كونها (تُحْمَلُ) بالبناء للمفعول؛ أي: يحملها الناس،
(فَوَضَعْتُهَا)؛ أي: تلك الجفنة (بَيْنَ يَدَيْهِ) - صلى الله عليه وسلم - (فَقَالَ)؛ أي: وضع، ففيه إطلاق
القول على الفعل، (رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ فِي الْجَفْنَةِ)؛ أي: في أعاليها، (هَكَذَا)
ثم فسّر الإشارة بقوله (فَبَسَطَهَا)؛ أي: بسط يده (وَفَرَّقَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ
وَضَعَهَا)؛ أي: وضع يده مفرّقة الأصابع (فِي قَعْرِ الْجَفْنَةِ)؛ أي: في أسفلها،