أَقْبَلْتُ أَجُرُّهُمَا)؛ أي: أجُرّ الغصنين (حَتَّى قُمْتُ مَقَامَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرْسَلْتُ
غُصْنًا عَنْ يَمِينِي)؛ أي: جهة يميني (وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِي، ثُمَّ لَحِقْتُهُ) بكسر
الحاء، أي: أدركته، ووصلت إليه، (فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْت يَا رَسُولَ اللهِ)؛ أي: ما
أمرتني به (فَعَمَّ ذَاكَ؟ )؛ أي: فما السبب في هذا الذي أمرتني به؟ (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -:
("إِنِّي مَرَوْتُ بِقَبْرَيْنِ، يُعَذَّبَانِ)، أي: يُعذّب من فيهما من الناس، (فَأَحْبَبْتُ
بِشَفَاعَتِي) فيه دليل واضح أن التخفيف عنهما بشفاعته - صلى الله عليه وسلم -، لا بوضع الغصنين،
فدلّ على أنه من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، فلا يقاس عليه غيره، فتنبّه (?). (أَنْ يرَفَّهَ)
بتشديد الفاء؛ أي: يخفّف (عَنْهُمَا، مَا دَامَ الْغُصْنَانِ رَطْبَيْنِ")؛ أي: مدّة دوام
الغصنين حال كونهما رطبين، وكون التخفيف عنهما مغيًّا بكونهما رطبين، لا
يُعلم إلا من جهة الوحي، والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: هذه القصّة غير القصّة التي سبقت في "كتاب الطهارة" من حديث
ابن عبّاس - رضي الله عنهما - "أنه - صلى الله عليه وسلم - مرّ على قبرين، فقال: يعذّبان، وما يعذبان في
كبير. . ." الحديث، وفيه: "ثم دعا بعسيب رطب، فشقّه باثنين، ثم غرس على
هذا واحدًا، وعلى هذا واحدًا. . . "، وقد تقدّم وجوه المغايرة بين حديث جابر
وحديث ابن عبّاس - رضي الله عنهم - هناك، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.
(قَالَ) جابر - رضي الله عنه -: (فَأتيْنَا الْعَسْكَرَ)، أي: لحقنا الجيش الذي تقدّم علينا،
(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - "يَا جَابِرُ نَادِ بِوَضُوءٍ") بفتح الواو؛ أي: ماء يُتوضّأ به،
(فَقُلْتُ: أَلَا وَضُوءَ، أَلَا وَضُوءَ، أَلَا وَضُوءَ) بالتكرار ثلاثًا للتأكيد؛ أي: ألا
يوجد عندكم ماء يُتوضّأ به؟ (قَالَ) جابر: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَما وَجَدْتُ فِي
الرَّكْبِ) بفتح، فسكون، أي: الجماعة، (مِنْ قَطْرَةٍ) "من" زائدة للتأكيد، (وَكَانَ
رَجُلٌ) لم يُذكر اسمه، (مِنَ الأَنْصَارِ، يُبَرِّدُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَاءَ فِي أَشْجَاب)
جمع شجب؛ أي: في سقاء (لَهُ عَلَى حِمَارةٍ)؛ أي: أعواد (مِنْ جَرِيدٍ) قال
النوويّ رحمه الله: أما الأشجاب هنا فجمع شجب بإسكان الجيم، وهو السقاء
الذي قد أَخْلَق، وبلي، وصار شَنًّا، يقال: شاجب؛ أي: يابس، وهو من
الشجب الذي هو الهلاك، ومنه حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: "قام إلى شجب،