فيما رواه جعفر بن عبد الواحد، بلفظ: "إن أحسنت أمتي، فبقاؤها يوم من أيام
الآخرة، وذلك ألف سنة، وإن أساءت، فنصف يوم". قال: وليس في قوله:
"بُعثت انا والساعة كهاتين" ما يقطع به على صحة التأويل الماضي، بل قد قيل
في تأويله: إنه ليس بينه وبين الساعة نبيّ مع التقريب لمجيئها، ثم جوّز أن
يكون في عدد الحروف التي في أوائل السور مع حذف المكرر ما يوافق حديث
ابن زمل، وذكر أن عدتها تسعمائة وثلاثة، قلت: وهو مبني على طريقة
المغاربة في عدّ الحروف، وأما المشارقة فينقص العدد عندهم مائتين وعشرة،
فإن السين عند المغاربة بثلاثمائة، والصاد بستين، وأما المشارقة فالسين عندهم
ستم ن، والصاد تسعون، فيكون المقدار عندهم ستمائة وثلاثة وتسعين، وقد
مضت وزيادة عليها مائة وخمس وأربعون سنة، فالحمل على ذلك من هذه
الحيثية باطل، وقد ثبت عن ابن عباس الزجر عن عدّ أبي جاد، والإشارة إلى
أن ذلك من جملة السّحر، وليس ذلك ببعيد، فإنه لا أصل له في الشريعة.
وقد قال القاضي أبو بكر ابن العربي، وهو من مشايخ السهيليّ في "فوائد
رحلته" ما نصه: ومن الباطل الحروف المقطعة في أوائل السور، وقد تحصّل
لي فيها عشرون قولًا، وأزْيد، ولا أعرف أحدًا يحكم عليها بعلم، ولا يصل
فيها إلى فهم، إلا أني أقول، فذكر ما ملخصه: أنه لولا أن العرب كانوا
يعرفون أن لها مدلولًا متداولًا بينهم لكانوا أول من أنكر ذلك على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -،
بل تلا عليهم: صَ، وحم فصّلت، وغيرهما، فلم ينكروا ذلك، بل صرحوا
بالة سليم له في البلاغة، والفصاحة، مع تشوّفهم إلى عثرة، وحرصهم على زلة،
فدلّ على أنه كان أمرًا معروفًا بينهم، لا إنكار فيه.
قال الحافظ: وأما عدّ الحروف بخصوصه، فإنما جاء عن بعض اليهود،
كما حكاه ابن إسحاق في السيرة النبوية، عن أبي ياسر بن أخطب وغيره أنهم
حملوا الحروف التي في أوائل السور على هذا الحساب، واستقصروا المدة
أول ما نزل: الم، والر، فلما نزل بعد ذلك: المص، وطسم، وغير ذلك
قالوا: ألبست علينا الأمر، وعلى تقدير أن يكون ذلك مرادًا، فلْيُحمل على
جميع الحروف الواردة، ولا يحذف المكرر، فإنه ما من حرف منها إلا وله سرّ
يخصه، أو يقتصر على حذف المكرر من أسماء السور، ولو تكررت الحروف