ثم جمع بينهما بما حاصله أنه حمل قوله: "بعد صلاة العصر" على ما إذا
صُلّيت في وسط من وقتها.
قدت (?): وهو بعيد من لفظ أنس، وأبي سعيد، وحديث ابن عمر
صحيح، متفق عليه، فالصواب الاعتماد عليه، وله محملان:
أحادهما: أن المراد بالتشبيه: التقريب، ولا يراد حقيقة المقدار، فبه
يجتمع مع حديث أنس، وأبي سعيد على تقدير ثبوتهما.
والثاني: أن يُحْمَل على ظاهره، فيقدَّم حديث ابن عمر، لصحته، ويكون
فيه دلالة على أن مدة هذه الأمة قَدْر خُمس النهار تقريبًا، ثم أيّد الطبريّ كلامه
بحديث الباب، وبحديث أبي ثعلبة الذي أخرجه أبو داود، وصححه الحاكم،
ولفظه: "والله لا تعجز هذه الأمة من نصف يوم"، ورواته ثقات، ولكن رجح
البخاريّ وقفه، وعند أبي داود أيضًا من حديث سعد بن أبي وقاص، بلفظ:
"إني لأرجو أن لا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم". قيل لسعد:
كم نصف يوم؟ قال: خمسمائة سنة، ورواته موثقون، إلا أن فيها انقطاعًا، قال
الطبريّ: ونصف اليوم خمسمائة سنة؛ أخذًا من قوله تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ
رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ} [الحج: 47] فإذا انضم إلى قول ابن عباس: إن الدنيا سبعة
آلاف سنة، توافقت الأخبار، فيكون الماضي إلى وقت الحديث المذكور ستة
الاف سنة وخمسمائة سنة تقريبًا.
وقد أورد السهيليّ كلام الطبريّ، وأيده بما وقع عنده في حديث المستورد،
وأكّده بحديث ابن زمل، رفعه: "الدنيا سبعة آلاف سنة، بعثت في آخرها".
قلتا: وهذا الحديث إنما هو عن ابن زمل، وسنده ضعيف جدًّا، أخرجه
ابن السكز، في الصحابة، وقال: إسناده مجهول، وليس بمعروف في الصحابة،
وابن قتيبة في غريب الحديث، وذكره في الصحابة أيضًا ابن منده وغيره،
وسمّاه بعضهم عبد الله، وبعضهم الضحاك، وقد أورده ابن الجوزيّ في
"الموضوعات"، وقال ابن الأثير: ألفاظه مصنوعة، ثم بيَّن السهيليّ أنه ليس في
حديث نصف يوم ما ينفي الزيادة على الخمسمائة، قال: وقد جاء بيان ذلك