صفحة نحاس، فلا يستطيع؛ أي: الدجال إليه؛ أي: إلى قتله، ولا يقدر على
حصول مضرته سبيلاً، تمييز؛ أي: طريقاً من التعرض (?).
(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: (فَيَأْخُذُ)؛ أي: الدجال (بِيَدَيْهِ) الرجل (وَرِجْلَيْهِ، فَيَقْذِفُ بِهِ)؛
أي: يرمي به في الهواء، (فَيَحْسِبُ) بكسر السين، وفتحها: أي: فيظنّ (النَّاسُ،
أَنَّمَا قَذَفَهُ إِلَى النَّارِ، وَإِنَّمَا أُلْقِيَ فِي الْجَنَّةِ") قال القاري: قوله: "إنما قذفه إلى
النار" في تأويل المصدر؛ أي: قذفه إليها، والأظهر ما اختاره الزمخشريّ من
أن "أنما" بالفتح تفيد الحصر أيضاً، كما اجتمعا في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الأنبياء: 108]، ويؤيده قوله: "وإنما
ألقي" بصيغة المجهول؛ أي: أُوقع في الجنة، واللام للعهد؛ أي: في بستان
من بساتين الدنيا، ويمكن أن يرميه في النار التي معه، ويجعلها الله عليه جنةً،
كما جعلها الله سبحانه وتعالى برداً وسلاماً على إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، وتصير تلك النار روضة وجنّة،
وعلى كل تقدير، فلم يحصل له موت على يده، سوى ما تقدم. انتهى (?).
قال أبو سعيد - رضي الله عنه -: (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا): أي: الرجل المؤمن
الذي عذّبه الدجال، وألقاه أخيراً في ناره، (أَعْظَمُ النَّاسِ شَهَادَةً) منصوب على
التمييز، (عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ") ظرف لـ "شهادةً".
وقال القاري - رحمه الله -: وأما قول الراوي: "فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هذا أعظم
الناس شهادة عند رب العالمين" فالمراد بها قَتْله الأول، فتأمل، فإنه موضع
الزلل، والخطل، والوجل، كما وقع فيه الطيبيّ - رضي الله عنه - بقوله: "فيحسب الناس أن
الدجال قذفه فيما يزعم أنه ناره، وإنما ألقي في الجنة، وهي دار البقاء"، يدل
عليه قوله: "هذا أعظم الناس شهادة"، ونحوه قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل لعمران: 169، 170]؛ أي: يسرحون في ثمار الجنة.
قال القاري: أقول: فهذا مناقض لقوله: "إنه لا يفعل بعدي بأحد من
الناس"، اللَّهُمَّ إلا أن يقال: المراد بقوله: "لا يفعل بعدي"؛ أي: بعد قتلي
ثانياً بأحد من الناس؛ أي: غيري، ولا يخفى بُعده، والله تعالى أعلم.