أنه دخل عليها بعد أن استيقظ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فزعًا، وكانت حمرة وجهه من ذلك
الفزع، وجَمع بينهما في رواية سليمان بن كثير، عن الزهريّ، عند أبي عوانة،
فقال: "فَزِعًا محمرًّا وجهه" (?).
(وَيْلٌ لِلْعَرَبِ) "ويل" كلمة تقال للحزن، والهلاك، والمشقة من العذاب،
وكل من وقع في الهلكة دعا بالويل (?).
وإنما خص العرب لاحتمال أنه أراد: ما وقع من قَتْل عثمان بينهم،
وقيل: يَحْتَمِل أنه أراد: ما سيقع من مفسدة يأجوج ومأجوج، وَيحتمل أنه
أراد: ما وقع من التُّرك من المفاسد العظيمة في بلاد المسلمين، وهم من نَسْل
يأجوج ومأجوج، قاله في "العمدة" (?).
وقال في "الفتح": خَصّ العرب بذلك؛ لأنهم كانوا حينئذ معظم من
أسلم، والمراد بالشرّ: ما وقع بعده من قتل عثمان، ثم توالت الفتن، حتى
صارت العرب بين الأمم؛ كالقصعة بين الأَكَلة، كما وقع في الحديث الآخر:
"يوشك أن تداعى عليكم الأمم، كما تداعى الأكلة على قصعتها"، وأن
المخاطَب بذلك العرب، قال القرطبيّ: ويَحْتَمِل أن يكون المراد بالشرّ: ما
أشار إليه في حديث أم سلمة: "ماذا أُنزل الليلة من الفتن، وماذا أُنزل من
الخزائن"، فأشار بذلك إلى الفتوح التي فُتحت بعده، فكثرت الأموال في
أيديهم، فوقع التنافس الذي جرّ الفتن، وكذلك التنافس على الإمرة، فإن معظم
ما أنكروه على عثمان تولية أقاربه من بني أمية وغيرهم، حتى أفضى ذلك إلى
قَتْله، ، وترتب على قَتْله من القتال بين المسلمين ما اشتهر واستمرّ. انتهى (?).
(مِنْ شَرٍّ) بيان للويل، وقوله: (قَدِ اقْتَرَبَ) جملة في محل جرّ؛ لأنه صفة
لقوله: "من شرّ".
وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "ويل للعرب ... إلخ" هذا تنبيه على
الاختلاف، والفتن، والهرج الواقع في العرب، وأول ذلك قَتْل عثمان -رضي الله عنه-،
ولذلك أخبر عنه بالقُرْب، ثم لم يزل كذلك إلى أن صارت العرب بين الأمم