وطائفة، فقالوا: لا يشترط إعادة الروح، قال أصحابنا: وهذا فاسد؛ لأن

الألم، والإحساس، إنما يكون في الحيّ، قال أصحابنا: ولا يَمنع من ذلك

كون المبيت قد تفرّقت أجزاؤه، كما نشاهد في العادة، أو أكلته السباع، أو

حيتان البحر، أو نحو ذلك، فكما أن الله تعالى يُعيده للحشر، وهو -عز وجل- قادر

على ذلك، فكذا يعيد الحياة إلى جزء منه، أو أجزاء، وإن أكلته السباع،

والحيتان.

فإن قيل: فنحن نشاهد الميت على حاله في قبره، فكيف يُسأل، ويُقعد،

ويُضرَب لي بمطارق من حديد، ويعذّب، ولا يظهر له أثر؟ .

فالجواب: أن ذلك غير ممتنع، بل له نظير في العادة، وهو النائم، فإنه

يجد لذّة، وآلامًا، لا نُحسّ نحن شيئًا منها، وكذا يجد اليقظان لذّةً، وألمًا لِمَا

يسمعه، أو يفكّر فيه، ولا يشاهد ذلك جليسه منه، وكذا كان جبريل؛ كان يأتي

النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فيخبره بالوحي الكريم، ولا يدركه الحاضرون، وكلّ هذا واضح،

ظاهر، جليّ. انتهى كلام وليّ الدين -رحمه الله-.

وقال العلامة بدر الدين العينيّ -رحمه الله-: عذاب القبر حقّ والإيمان به

واجب، وعلى ذلك أهل السُّنَّة والجماعة، خلافًا للمعتزلة، ولكن ذكر القاضي

عبد الجبار رئيس المعتزلة في "كتاب الطبقات" تأليفه: إن قيل: إن مذهبكم

أدّاكم إلى إنكار عذاب القبر، وهذا قد أطبقت عليه الأمة.

قيل: إن هذا الأمر إنما أنكره أولًا ضرار بن عمرو، ولمّا كان من

أصحاب واصل ظنوا أن ذلك مما أنكرته المعتزلة، وليس الأمر كذلك، بل

المعتزلة رجلان: أحدهما يُجَوّز ذلك كما وردت به الأخبار، والثاني يقطع

بذلك وأكثر شيوخنا يقطعون بذلك، وإنما يُنكرون قول جماعة من الجَهَلة: إنهم

يعذبون وهم موتى، ودليل العقل يمنع من ذلك، وبنحوه ذكره أبو عبد اللَّه

المرزباني في "كتاب الطبقات"، تأليفه.

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: إن الملاحدة، ومن يذهب مذهب الفلاسفة أنكروه

أيضًا، والإيمان به واجب لازم حسب ما أخبر به الصادق - صلى الله عليه وسلم - أن الله يحيي

العبد، ويردّ إليه الحياة والعقل، وهذا نطقت به الأخبار، وهو مذهب أهل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015