في جسده"، وزاد ابن حبّان من طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "فإذا

كان مؤمنًا، كانت الصلاة عند رأسه، والزكاة عن يمينه، والصوم عن شماله،

وفِعل المعروف من قِبَل رجليه، فيقال له: اجلس، فيجلس، وقد مُثّلت له

الشمس عند الغروب"، زاد ابن ماجه، من حديث البراء: "فيجلس، فيمسح

عينيه، ويقول: دعوني أصلي".

[تنبيه]: قوله: "فَيُقْعِدَانِهِ"، وفي حديث البراء: "فيجلسانه"، قال

التوربشتيّ -رحمه الله-: هذا اللفظ أَولى اللفظين بالاختيار؛ لأن الفصحاء إنما

يستعملون القعود في مقابلة القيام، فيقولون: القيام والقعود، لا نسمعهم

يقولون: القيام والجلوس، يقال: قعد الرجل عن قيامه، وجلس عن

اضطجاعه، واستلقائه.

وحَكَى النضر بن شُميل أنه دخل على المأمون عند مقدمه مَرْوَ، فمَثَلَ بين

يديه، وسلّم، فقال له المأمون: اجلس، فقال: يا أمير المؤمنين لست

بمضطجع، فأجلس، فقال: كيف أقول؟ قال: قل: اقعُد.

فعلى هذا المختارُ من بين الروايتين هو الإجلاس؛ لِمَا أشرنا إليه من

دقيق المعنى، وفصيح الكلام، وهو الأحقّ، والأجدر ببلاغة الرسول - صلى الله عليه وسلم -،

ولعلّ من روى: "فيُقعدانه" ظنّ أن اللفظين ينزلان من المعنى بمنزلة واحدة،

ومن هذا الوجه أنكر كثير من السلف رواية الحديث بالمعنى؛ خشية أن يزِلّ في

الألفاظ المشترَكة، فيذهب عن المراد جانبًا.

قال الطيبيّ: أقول: لا ارتياب أن الجلوس والقعود مترادفان، وأن

استعمال القعود مع القيام، والجلوس مع الاضطجاع مناسبة لفظيّة، ونحن نقول

بموجبه إذا كانا مذكورين، كقوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)} [يونس: 12]، ولا نقول: إذا لم يكن أحدهما

مذكورًا كان كذلك، ألا ترى إلى حديث جبريل -عليه السلام-: "حتى جلس إلى

النبيّ - صلى الله عليه وسلم -" بعد قوله: "إذ طلع علينا"، ولا خفاء أنه -عليه السلام- لم يضطجع بعد

الطلوع عليهم، وكذلك لم يرِد في هذا الحديث الاضطجاع ليوجب أن يذكر

معه الجلوس، وأما الترجيح بما رواه عن النضر، وهو من رواة العربيّة على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015