في الخارج، وبالرقيق صفة قلبية، سواء ظهر أثرها أم لا، والثاني أظهر،

فيكون باعتبار القوّة، والأول باعتبار الفعل، ويمكن أن تتعلق رحمة الرحيم إلى

المعنى الأعم من الإنسان، والحيوان، الشامل للمؤمن والكافر، والدوابّ،

فيكون الثاني أخصّ، والحاصل أن التأسيس أَولى من التأكيد. انتهى (?).

ثمّ أشار إلى الثالث بقوله: (وَ) رجلٌ (عَفِيفٌ)؛ أي: متّصف بالعفّة،

يقال: عَفّ عفًّا، وعَفافًا، وعَفافةً بفتحهنّ، وعِفّةً بالكسر، فهو عَفٌّ، وعَفِيف:

إذا كَفّ عما لا يحلّ، ولا يَجْمُلُ، كاستعفّ، وتعفّف، قاله المجد -رحمه الله- (?).

وقوله: (مُتَعَفِّفٌ)؛ أي: متكلّف للعفّة، فالعفيف من كافت العفّة راسخة

فيه، والمتعفّف من يتكلّف العفّة، ويكتسبها؛ يعني: متّصف بالعفّة الطبيعيّة،

والمكتسبة، وقوله: (ذُو عِيَالٍ) أتي به؛ إشارة إلى أن العيال كثيرًا ما يحملون

العبد على التكسبّ بغير وجه شرعيّ لأجلهم، فهذا الرجل بعيد عن هذا، فهو

عفيف متعفّف.

وقال القاري: "عفيف" بالرفع على أنه الثالث من الثلاثة؛ أي: مجتنب

لِمَا لا يحلّ "متعفف"؛ أي: عن السؤال، متوكل على الله -عز وجل-، في أمره، وأمْر

عياله، مع فرض وجودهم، فإنه أصحب، ولهذا قال: "ذو عيال": أي: لا

يحمله حب العيال، ولا خوف رزقهم على ترك التوكل بارتكاب سؤال الخلق،

وتحصيل المال الحرام، والاشتغال بهم عن العلم والعمل، مما يجب عليه.

ويَحْتَمِل أنه أشار بالعفيف إلى ما في نفسه من القوّة المانعة عن

الفواحش، وبالمتعفف إلى إبراز ذلك بالفعل، واستعمال تلك القوّة، وإظهار

العفة عن نفسه.

قال الطيبيّ -رحمه الله-: وإذا استَقرأتَ أحوالَ العباد على اختلافها، فلعلّك لم

تجد أحدًا يستأهل أن يدخل الجنة، ويحقّ له أن يكون من أهلها، إلا وهو

مندرج تحت هذه الأقسام، غير خارج عنها. انتهى (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015