لمعرفتهم بالله، وأنه ليس في الوجود فاعل، ولا خالق إلا هو، وخصوصًا

لأولي العزم من الرسل، وخصوصًا لمحمد، وموسى -صلى الله عليهما-.

ويرتفع التعارض من وجهين:

أحدهما: أن ذلك الخوف كان منهما في بدايتهم قبل تمكّنهم، وإعلامهم

بحميد عواقب أحوالهم، وقبل تأمينهم، فلما مُكّنوا، وأُمِّنوا لم يخشوا إلا الله،

ولذلك كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في أول أمره يُحرَس، وهو في منزله، فلما أنزل الله

تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] أخرج رأسه إليهم، فقال:

"اذهبوا فقد عصمني ربي" (?).

وثانيهما: على تسليم أن يكون ذلك منهم في غير بدايتهم، لكن ذلك

الخوف هو الذي لا ينفك البشر عن فَجْأته، ووقوع بادرته، حتى إذا راجع

الإنسان عقله، وتدبّر أمره اضمحلّ ذلك الخوف أيَّ اضمحلال، وحصل له من

معرانمة الله وخشيته ما يستحقر معه رسوخ الجبال، والله تعالى أعلم. انتهى (?).

(قَالَ) الله تعالى لنبيّه -صلى الله عليه وسلم-: (اسْتَحرِجْهُمْ)؛ أي: أَخْرج كفّار قريش من بلدهم

مكة، قال القرطبيّ: والسين والتاء زائدتان، كما يقال: استجاب بمعنى أجاب.

(كمَا اسْتَخْرَجُوكَ) وفي رواية العذريّ: "كما أخرجوك"؛ أي: مثل ما

أخرجوك منها؛ جزاءً وفاقًا، وإن كان بين الإخراجين بَوْن بَعيد، فإن إخراجهم

إياه بالباطل، وإخراجه -صلى الله عليه وسلم- إياهم بالحقّ.

وقال القرطبيّ: وهذا يدلّ على أن هذا القول صدر عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة

بعد الهجرة؛ فإنَّ أهل مكة هم الذين أخرجوه من مكة حتى هاجر إلى المدينة (?).

(وَاغْزُهُمْ)؛ أي: وجاهدهم، فالواو لمطلق الجمع، فإن القتال مقدّم على

الإخراج. (نُغْزِكَ) بضم النون، من أغزيته: إذا جهّزته للغزو، وهيأت له

أسبابه؛ أي: نيسّر لك أسباب الغزو.

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "واغزُهم نُغزك"؛ أي: اعزم على غزوهم،

واشرع فيه نُعِنْك على غزوهم، وننصرك عليهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015