مال فلان لا يفنيه الماء، أو النار. انتهى (?).
وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء"؛ أي:
يسّرت تلاوته، وحفظه، فخَفّ على الألسنة، ووَعَتْه القلوب، فلو غُسلت
المصاحف لَمَا انغسل من الصدور، ولَمَا ذهب من الوجود، ويشهد لذلك قوله
تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر: 9]، وقوله: {وَلَقَدْ
يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)} [القمر: 17]، وفي الإسرائيليات: أن
موسى -عليه السلام- قال: يا رب إني أجد أمة تكون أناجيلها في صدورها، فاجعلهم
أمتي، ، قال: تلك أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- (?).
(تَقْرَؤُهُ)؛ أي: أنت، حال كونك (نَائِمًا، وَيَقْظَانَ) بسكون القاف،
والمعنى: يصير لك مَلَكة، بحيث يحضر في ذهنك، وتلتفت إليه نفسك في
أغلب الأحوال، فلا تغفل عنه نائمًا ويقظان، وقد يقال للقادر على الشيء
الماهر به: هو يفعله نائما.
قال القاري: كذا ذكره الطيبيّ -رحمه الله- وخلاصته: أنه في قلبك، وأنت نائم،
وأقول: لا احتياج إلى التأويل بالنسبة إلى قلبه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه تنام عيناه، ولا ينام قلبه،
وقد شوهد كثير من الناس صغيرًا وكبيرًا أنهم يقرؤون، وهم نائمون. انتهى (?).
وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "تقرؤه نائمًا ويقظان" يَحْتَمِل أن يريد بذلك
أنه يوحى إليه القرآن في اليقظة والمنام، وقد تقدَّم أن رؤيا الأنبياء وحي.
وَيَحْتَمِل أن يكون معنى نائم هنا: مضطجعًا؛ يعني: في صلاة المريض، قالهما
القاضي، وفيهما بُعْدٌ، وأشبه منهما -إن شاء الله تعالى- أن الله يسّره على
لسان نبيّه -صلى الله عليه وسلم-، وذكره، بحيث كان يقرؤه نائمًا، كما كان يقرؤه منتبهًا، لا يُخِلّ
منه بحرف، لا سيما وقد كان -صلى الله عليه وسلم- تنام عيناه ولا ينام قلبه. وقد شاهدنا
المديمين على تكرار القران يقرؤون منه الكثير وهم نيام، وذلك قبل استحكام
غلبة النوم عليهم. انتهى (?).