نحو قوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} [محمد: 31]؛ أي:

نعلمهم فاعلين ذلك، متصفين به. انتهى (?).

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "إنما بعثتك لأبتليك، وأبتلي بك"؛ أي:

لأمتحنك بتبليغ الرسالة، والصبر على معاناة أهل الجاهلية، وأمتحن بك؛ أي:

من آمن بك، واتبعك أثبْته، ومن كذّبك، وخالفك انتقمت منه، وعاقبته.

انتهى (?).

(وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كتَابًا)؟ أي: عظيمًا، فالتنوين للتعظيم، (لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ)؛

أي: لم نَكْتَفِ بإيداعه الكتب، فيغسله الماء، بل جعلناه قرآنًا محفوظًا في

صدور المؤمنين، قال تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}

الآية [العنكبوت: 49]، وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)}

[الحجر: 9]، أو المراد بالغسل: النسخ، والماء مثل؛ أي: لا ينزل بعده كتاب

ينسخه، ولا نزل قبله كتاب يبطله، كما قال تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ

وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} [فصلت: 42].

وقال النوويّ -رحمه الله-: أما قوله تعالى: "لا يغسله الماء" فمعناه: محفوظ

في الصدور، لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على مر الأزمان، وأما قوله

تعالى: "تقرأه نائمًا ويقظان" فقال العلماء: معناه: يكون محفوظًا لك في حالتَي

النوم واليقظة، وقيل: تقرأه في يُسر وسهولة. انتهى (?).

وقال الطيبيّ -رحمه الله-: أي: كتابًا محفوظًا في القلوب، لا يضمحلّ بغسل

القراطيس، أو كتابًا مستمرًّا متداوَلًا بين الناس، ما دامت السموات والأرض،

لا يُنسخ، ولا يُنسَى بالكلية، وعبّر عن إبطال حكمه، وترك قراءته، والإعراض

عنه بغسل أوراقه بالماء، على سبيل الاستعارة، أو كتابًا واضحًا آياته، بَيِّنًا

معجزاته، لا يبطله جَوْر جائر، ولا يُدحضه شبهة مناظر، فمثّل إبطال المعنى

بإبطال الصورة، وقيل: كنى به عن غزارة معناه، وكثرة جدواه، من قولهم:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015