بدين المسيح -عليه السلام-؛ لأنَّ من كفر من اليهود بالمسيح لم يبق على دين

موسى -عليه السلام-، ولا متمسّكًا بما في التوراة، ولا دخل في دين عيسى، فلم يبق

أحد من اليهود متمسِّكًا بدينٍ حقّ إلا من آمن بالمسيح، واتبع الحق الذي كان

عليه، وأما من لم يؤمن به، فلا تنفعه يهوديته، ولا تمسكه بها؛ لأنَّه قد ترك

أصلًا، عظيمًا مِمَّا فيها، وهو العهد الذي أُخذ عليهم في الإيمان بعيسى -عليه السلام-،

وكذلك نقول: كل نصرانيّ بلغه أمر نبيّنا -صلى الله عليه وسلم-، وشَرْعنا، فلم يؤمن به لم تنفعه

نصرانيته؛ لأنَّه قد ترك ما أُخذ عليه من العهد في شرعه، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-:

"والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة: يهوديّ، ولا نصرانيّ، ثم

يموت، ولم يؤمن بالذي أرسلت إلا كان من أصحاب النار"، رواه مسلم.

انتهى (?).

(إِلَّا بَقَايَا) جمع بقيّة، يقال: بقي من الدين كذا: إذا فضل، وتأخّر،

وتبقّى مثله، والاسم: البقيّة، وجمعها بقايا، وبقيّات، مثلُ عطيّة، وعطايا،

وعطيّات، قاله الفيّوميّ -رحمه الله- (?). (مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ)؛ أي: من اليهود،

والنصارى، تبرؤوا عن الشرك، كذا قاله بعضهم، والأظهر أن المراد بهم:

جما اعة من قوم عيسى -عليه السلام- أبقوا متابعته؛ إلى أن آمنوا بنبينا -صلى الله عليه وسلم-.

(وَقَالَ) الله -عز وجل-: (إِنَّمَا بَعَثْتُكَ)؛ أي: أرسلتك يا محمد (لأَبْتَلِيَكَ)؛ أي:

لأمتحنك كيف تصبر على إيذاء قومك إياك، (وَأَبْتَلِيَ بِكَ)؛ أي: أمتحن

قومك، هل يؤمنون بك، أم يكفرون؟ .

وقال النوويّ -رحمه الله-: قوله: "إنما بعثتك لأبتليك، وأبتلي بك" معناه:

لأمتحنك بما يَظهر منك من قيامك بما أمرتك به، من تبليغ الرسالة، وغير

ذلك، من الجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى، وغير ذلك،

وأبتلي بك من أرسلتك إليهم، فمنهم من يُظهر إيمانه، ويخلص في طاعاته،

ومن يتخلف، ويتمرّد بالعداوة والكفر، ومن ينافق، والمراد أن يمتحنه؛ ليصير

ذلك واقعًا بارزًا، فإن الله تعالى إنما يعاقب العباد على ما وقع منهم، لا على

ما يعلمه قبل وقوعه، وإلا فهو -سبحانه وتعالى- عالم بجميع الأشياء قبل وقوعها، وهذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015