أي: لا منار، ولا اهتداء به، وقولِه:

وَلَا يُرَى الضَّبُّ بِهَا يَنْحَجِرْ

أي: لا ضبّ، ولا انحجار؛ نفيًا للأصل والفرع؛ أي: القيد والمقيّد،

وقيل: هذا على سبيل التهكم؛ إذ لا يجوز على الله تعالى أن ينزل برهانًا أن

يشرك به غيره. انتهى (?).

(وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ أِلَى أَهْلِ الأَرْضِ)؛ أي: رآهم، ووجدهم متفقين على

الشرك، منهمكين في الضلالة (فَمَقَتَهُمْ)؛ أي: أبغضهم، وكرههم، وقوله:

(عَرَبَهُمْ، وَعَجَمَهُمْ) بدل من الضمير في "مقتهم"، والمراد بالعجم: غير العرب،

والمعنى: أنه أبغضهم بسوء صنيعهم، وخُبْث عقيدتهم، واتفاقهم قبل بعثة

محمد -صلى الله عليه وسلم- على الشرك، وانغماسهم في الكفر، قوم موسى -عليه السلام- كفروا

بعيسى -عليه السلام-، وعبدوا عزيرًا، وذهبوا إلى أنه ابن الله، وقوم عيسى -عليه السلام- ذهبوا

إلى التثليث، أو إلى أنه ابن الله، وغير ذلك، قاله القاري (?).

وقال النوويّ -رحمه الله-: قوله: "فمَقَتهم عربهم وعجمهم إلخ": المقت: أشدّ

البغض، والمراد بهذا المقت والنظر: ما قبل بعثة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والمراد ببقايا

أهل الكتاب: الباقون على التمسك بدينهم الحقّ من غير تبديل. انتهى (?).

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم ...

إلخ": "نظر": بمعنى أبصر، والمقت: أشد البغض، وأراد بالعجم هنا: كل من

لا يتكلم بكلام العرب، ويعني بذلك قبل بعث النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وذلك أن كِلا

الفريقين كان يعبد غير الله، أو يُشرك معه غيره، فكان الكل ضُلّالًا عن الحقّ،

خارجين عن مقتضى العقول والشرائع، فأبغضهم الله لذلك أشدّ البغض، لكن

لم يعاجلهم بالانتقام منهم، حتى أعذر إليهم بأن أرسل إليهم رسولًا، وأنزل

عليهم كتابًا قطعًا لمعاذيرهم، وإظهارًا للحجة عليهم.

وإنما استثنى البقايا من أهل الكتاب؛ لأنَّهم كانوا متمسكين بالحقّ الذي

جاءهم به نبيّهم، ويعني بذلك -والله أعلم- من كان في ذلك الزمان متمسِّكًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015