والمعاقِب، بل يفرّق بينهما، فيجعل هذا من أوصافه، وهذا من مفعولاته، من
الآية الواحدة كقوله تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي
هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)} [الحجر: 49، 50]، وقال: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ
وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأعراف: 167] ومثلها في آخر "الأنعام"، فما كان من
مقتضى أسمائه وصفاته، فإنه يدوم بدوامها، ولا سيما إذا كان محبوبًا له في
أسمائه وصفاته، وأما الشر وهو العذاب، فلا يدخل في أسمائه وصفاته، وإن
دخل في مفعولاته لحكمة إذا حصلت زال وَفَنِي، بخلاف الخير، فإنه سبحانه
دائم المعروف، ولا ينقطع معروفه أبدًا على الدوام، وليس من موجب أسمائه
وصفاته أنه لم يزل معاقِبًا على الدوام، غضبان على الدوام، فتأمل هذا تأمل
فقيه في أسماء الله، فإنه يتضح لك باب من أبواب معرفته ومحبته (?).
ثم أشار السيد محمد إلى ما تفرَّع من معارضته ما يفيده صفات جُوده
وفضله، وما صرح به من خلود الكفار، فأشار إلى الوعيد بقوله:
فَمِنْ قَائِلٍ بِالْخُلْدِ مِنْ أَجْلِ كَثْرَةِ الْـ ... ـوَعِيدِ بِهِ فِي الْمُنْزَلَاتِ الْقَوَاصِمِ
وذلك لأنهم حكموا بعموم الخلود لمن دخل النار من عصاة الموحدين
والكفار.
والمسألة مبسوطة في علم الكلام، وما لها وعليها مما أثاره المحققون
الأعلام، وأشار إلى من قال بالتخصيص لآيات الخلود بقوله:
وَمِنْ قَائِلٍ إِنَّ الْخُصُوصَ مُقَدَّمٌ ... وَسَاعَدَهُ أَسْمَاءُ أَحْكَمِ حَاكِمِ
فإنه أشار إلى من قال: إن الأحاديث الواردة في سعة رحمة الله وصفاته
تعالى من أنه أرحم الراحمين، وورود آية الاستثناء تُخصص آيات الوعيد،
وأراد بهذا البيت ما تشتمل عليه مقالة ابن تيمية؛ إذ هي عائدة إلى القول
بتخصيص آيات الوعيد بالخلود، ويبعد فناء النار، كما دل عليه قوله:
وَثَالِثُهَا الْمَنْصُورُ يُرْجَى لِمُسْلِمٍ ... وَمَنْ عَانَدَ الإِسْلَامَ لَيْسَ بِسَالِمِ