لليوم العظيم بأيام وليالي، وبهذا يُعلم ضرورة أنه إذا أُطلق اليوم في تقييد
الأمور الأخروية عُلم يقينًا أنه مطلق الزمان، ولا تحديد له، ولا تعيين، ولا
نهاية إلا بدليل، وقد كان أعجبني استدلاله بما ذكر من تقييد عذاب الآخرة
باليوم في آيات، وعدم تقييد نعيم الجنة، ولا في آية، فلما حققته وجدته لا
شيء نفيًا وإثباتًا.
أما إثباتًا فإنه ما ثم دليل على مدعاه، وأما نفيًا فإنك قد سمعت ما سقناه
من تقييد نعيم أهل الجنة، فاليوم كما قال الله في الجنة: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ
الْخُلُودِ (34)} [ق: 34]. انتهى.
وقد انتهى إلى هنا ما أجلب إليه شيخ الإسلام من خيل الأدلة ورَجِلها،
وكثيرها وقليلها، ودقها وجلّها، وأجرى فيها قلمه، ونشر فيها علمه، وأتى بكل
ما قدر عليه من قال وقيل، واستنفر كل قبيل وجيل، وسردها تلميذه ابن قيم
الجوزية، وقال في آخرها:
هذه نهاية أقدام الفريقين في هذه المسألة، ولعلك لا تظفر بها في غير
هذا الكتاب.
قلت: وقد سقنا أدلته النظرية والأثرية، ولم نترك منها إلا ما كان مكررًا،
وتكلمنا على تفصيلها وتجميلها بما هدانا الله إليه، وله الحمد من غير عصبية
مذهبية، ولا متابعة أشعرية، ولا معتزلية، بل بما أشهدتنا أنوار الأدلة.
واعلم أن هذه المسألة التي أتى بها شيخ الإسلام هي فرع عن مسألة
خَلْق الأشقياء التي حار فيها أرباب النوى، وتحيَّر فيها فرسان الأذكياء،
وترددت حولها أذهان الفطناء (?)، وتفرع عنها أقوال اقشعرت منها جلود الأمة
الفضلاء.
فطائفة أوْهَم الجهل بذلك إلى الإقدام على نفي حكمة الله في أقواله،
وهم غلاة الأشعرية، وأخطأوا في ذلك، وردّ عليهم الأئمة الأعلام، من أهل
مذهبهم وغيرهم، من علماء الأنام، وآخِرُ مَن بَيَّن ما في كلامهم من الاختلال،
وما في نفيهم الحكمة من الداء العضال، المحقق العلامة نزيل حرم الله